أسبابه على حسب المراد. ومراودتها للعقل عن القلب بالتسويلات الشيطانية والتعزيرات النفسانية مع كراهية العقل لذلك هو معنى قولهم عند مراودة يعقوب عنه : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) وافتراؤهم على الذئب هو أنّ القوة الغضبية إذا ظهرت واستشاطت حجبت القلب بالكلية عن أفعاله الخاصة به. والظاهر من حالها أنها أقوى إضرارا به وإبطالا لفعله وحجبا له الذي هو معنى الأكل مع أن القوة الشهوانية والحواس وسائر القوى أشدّ نكاية في القلب وأضرّ به في نفس الأمر وأجذب له إلى الجهة السفلية وأشدّ إباء وامتناعا من قبول السياسات العقلية وطاعة الأوامر والنواهي الشرعية وإذعان القلب بالموافقة في طلب الكمالات الروحية منها ، وظهور ذلك الأثر من القوة الغضبية مع كونه بخلاف ذلك في الحقيقة هو الدم الكذب على قميصه وابيضاض عين يعقوب في فراقه عبارة عن كلال البصيرة وفقدان نور العقل عند كون يوسف القلب في غيابة جبّ الطبيعة ، وبعض السيّارة الذي أخرجه من البئر هو القوّة الفكرية وشراؤه من عزيز مصر.
(بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) تسليمهم له إلى عزيز الروح الذي هو من مصر مدينة القدس بما يحصل للقوة الفكرية من المعاني والمعارف الفائضة عليها من الروح عند استنارتها بنوره وقربها منه ، فإن القوة الفكرية لما كانت قوة جسمانية ، والقلب ليس بجسماني ، لم تصل إلى مقامه إلا عند كونه مغشى بغشاوات النفس في مقام الصدر أي : الوجه الذي يلي النفس منه. وأما إذا تجرّد في مقام الفؤاد أو وصل إلى مقام الروح الذي سموه السرّ فتتركه عند عزيز الروح وتسلمه إليه وتفارقه على الدريهمات التي تحصل لها بقربه من المعاني المذكورة.
وامرأة العزيز المسماة زليخاء التي أوصى إليها به بقوله : (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) هي النفس اللوّامة التي استنارت بنور الروح ووصل أثره إليها ولم تتمكن في ذلك ولم تبلغ إلى درجة النفس المطمئنة وتمكين الله إياه في الأرض إقداره بعد التزكية والتنوّر بنور الروح على مقاومة النفس والقوى وتسليطه على أرض البدن باستعمال آلاته في تحصيل الكمالات وسياستها بالرياضات حتى يخرج ما في استعداده من الكمال إلى الفعل كما قال : (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي : ولنعلمه فعلنا ما فعلنا به من الإنجاء والتمكين (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) بالتأييد والتوفيق والنصر حتى يبلغ غاية كمال أشدّه من مقامه الذي يقتضيه استعداده فيؤتيه العلم والحكمة كما قال : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) والأشدّ هو نهاية الوصول إلى الفطرة الأولى بالتجرّد عن غواشي الخلقة الذي نسميه مقام الفتوة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أن الأمر بيد الله في ذلك ، فيضيفون إلى السعي والاجتهاد والتربية ، ولا يعلمون أنّ السعي والاجتهاد والتربية والرياضة أيضا من عند الله جعلها الله أسبابا ووسائط