قال : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩)) (١) وإلا لم يمكنكم إدراكهم فبقيتم على إنكاركم ، وإذا كانوا مجسدين ما صدّقتم كونهم ملائكة فشأنكم الإنكار على الحالين بل على أيّ حال كان كإنكار الخفاش ضوء الشمس.
[٩٧ ـ ٩٩] (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩))
(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ) بمقتضى العناية الأزلية في الفطرة الأولى بنوره (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) خاصة دون غيره (وَمَنْ يُضْلِلْ) بمنع ذلك النور عنه (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ) أنصارا يهدونه (مِنْ دُونِهِ) أو يحفظونه من قهره (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) أي : ناكسي الرؤوس لانجذابهم إلى الجهة السفلية أو على وجوداتهم وذواتهم التي كانوا عليها في الدنياكقوله : «كما تعيشون تموتون ، وكما تموتون تبعثون»إذ الوجه يعبر به عن الذات الموجودة مع جميع عوارضها ولوازمها أي على الحالة الأولى من غير زيادة ونقصان (عُمْياً) عن الهدى ، كما كانوا في الحياة الأولى (وَبُكْماً) عن قول الحق ، لعدم إدراكهم المعنى المراد بالنطق إذ ليسوا ذوي قلوب يفهم بها ويفقه ، فكيف التعبير عما لم يفهم (وَصُمًّا) عن سماع المعقول ، لعدم الفهم أيضا ، فلا يؤثر فيهم موجب الهداية لا من جهة الفهم من الله تعالى بالإلهام ولا من طريق السمع من كلام الناس ولا من طريق البصر بالاعتبار (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) كقوله : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٢) بل أبلغ منه ذلك بسبب احتجابهم عن صفاتنا خصوصا قدرتنا على البعث وإنكارهم له. أنكروا وما استدلوا بخلق السموات والأرض على القدرة.
[١٠٠ ـ ١٠٤] (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤))
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ٩.
(٢) سورة الأنعام ، الآية : ٥٦.