لا يعرفهم إلا الله ومن هو منهم (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) أي : إلحاحا. والمراد نفي مسألة الناس بالكلية كقوله :
على لاحب لا يهتدى بمناره
والمراد نفي المنار والاهتداء جميعا ، أو نفي الإلحاف وإثبات التعطف في المسألة. (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) على أيّ من أنفقتم ، غنيا كان أو فقيرا (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) أي : بأن ذلك الإنفاق له أو لغيره ، فيجازى بحسبه.
[٢٧٤ ـ ٢٧٥] (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥))
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) عمم الإنفاق أولا وثانيا بحسب الأوقات والأحوال ليعلم أنه لا يتفاوت بها ، بل بالقصد والنيّة (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ) إلى آخره ، آكل الربا أسوأ حالا من جميع مرتكبي الكبائر ، فإنّ كل مكتسب له توكل ما في كسبه قليلا كان أو كثيرا ، كالتاجر والزارع والمحترف ، إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم ولم تتعين لهم قبل الاكتساب فهم على غير معلوم في الحقيقة ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم». وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه سواء ربح الآخذ أو خسر ، فهو محجوب عن ربه بنفسه وعن رزقه بتعيينه ، لا توكل له أصلا ، فوكّله الله تعالى إلى نفسه وعقله ، وأخرجه من حفظه وكلاءته ، فاختطفه الجنّ وخبلته ، فيقوم يوم القيامة ولا رابطة بينه وبين الله كسائر الناس المرتبطين به بالتوكل ، فيكون كالمصروع الذي مسّه الشيطان فتخبطه لا يهتدي إلى مقصد (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا) أي : ذلك بسبب احتجابهم بقياسهم وأول من قاس إبليس فيكونون من أصحابه مطرودين مثله.
[٢٧٦ ـ ٢٨٣] (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا