لَقَدْ جِئْتِ شَيًا فَرِيًّا).
والبعض الآخر واجهها ، بالقول : (يَا أُختَ هرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امَرأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا).
أمّا قولهم لمريم : (يَا أُختَ هرُونَ) لأنّ هارون رجل طاهر صالح إلى الدرجة التي يضرب به المثل بين بني إسرائيل ، فإذا أرادوا أن يصفوا شخصاً بالطهارة والنزاهة ، كانوا يقولون : إنّه أخو أو أخت هارون.
في هذه الساعة ، سكتت مريم بأمر الله ، والعمل الوحيد الذي قامت به ، هو أنّها أشارت إلى وليدها (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ). إلّاأنّ هذا العمل جعل هؤلاء يتعجبون أكثر ، ثم غضبوا فقالوا : مع قيامك بهذا العمل تسخرين من قومك أيضاً؟ (قَالُوا كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا).
إنّ الناس قلقوا واضطربوا من سماع كلام مريم هذا ، بل وربما غضبوا وقالوا لبعضهم البعض ـ حسب بعض الروايات ـ : إنّ استهزاءها وسخريتها أشدّ علينا من انحرافها عن جادة العفة.
إلّا أنّ هذه الحالة لم تدم طويلاً ، لأنّ ذلك الطفل الذي ولد حديثاً قد فتح فاه وتكلّم : (قَالَ إِنّى عَبْدُ اللهِءَاتنِىَ الْكِتبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا * وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) ، ومفيداً من كل الجهات للعباد (وَأَوْصنِى بِالصَّلَوةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا).
وكذلك جعلني مطيعاً ووفيّاً لُامي (وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا).
وروى ـ في التفسير الكبير ـ أنّ عيسى عليهالسلام قال : «قلبي لين وأنا صغير في نفسي». وهو إشارة إلى أنّ هذين الوصفين يقعان في مقابل الجبار والشقي.
وفي النهاية يقول هذا المولود ـ أي المسيح ـ : (وَالسَّلمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).
هذه الآية في حق يحيى عليهالسلام كما وردت في شأن المسيح عليهالسلام ، مع الاختلاف بأنّ الله هو الذي قالها في المورد الأوّل ، أمّا في المورد الثاني فإنّ المسيح قد طلب ذلك.
(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣٥)