أيمكن أن يكون لله ولد؟! بعد تجسيد القرآن الكريم في الآيات السابقة حادثة ولادة المسيح عليهالسلام بصورة حيّة وواضحة جدّاً ، انتقل إلى نفي الخرافات وكلمات الشرك التي قالوها في شأن عيسى ، فيقول : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ). خاصّة وأنّه يؤكّد على كونه «ابن مريم» ليكون ذلك مقدمة لنفي بنوّته لله سبحانه. ثم يضيف : (قَوْلَ الْحَقّ الَّذِى فِيهِ يَمْتَرُونَ).
وتقول الآية التالية بصراحة : (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحنَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ). وهذا إشارة إلى أنّ اتخاذ الولد ـ كما يظن المسيحيون في شأن الله ـ لا يناسب قداسة مقام الألوهية والربوبية ، فهو يستلزم من جهة الجسمية ، ومن جانب آخر المحدودية ، ومن جهة ثالثة الإحتياج.
إنّ تعبير (كُن فَيَكُونُ) تجسيد حي جدّاً عن مدى سعة قدرة الله ، وتسلطه وحاكميته في أمر الخلقة.
(وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) (٤٠)
إنّ آخر كلام لعيسى عليهالسلام بعد تعريفه لنفسه بالصفات التي ذكرت ، هو التأكيد على مسألة التوحيد ، وخاصة في مجال العبادة ، فيقول : (وَإِنَّ اللهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ).
وعلى هذا فإنّ عيسى عليهالسلام بدأ بمحاربة كل أنواع الشرك وعبادة الآلهة المزدوجة والمتعددة منذ بداية حياته.
غير أنّه بالرغم من كل هذه التأكيدات التي أكّد عليها المسيح عليهالسلام في مجال التوحيد وعبادة الله ، فقد اختلفت الفئات ، وأظهروا اعتقادات مختلفة ، وخاصة في شأن المسيح : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
إنّ تاريخ المسيحية يشهد بوضوح على مدى الاختلاف الذي حصل بعد المسيح عليهالسلام في شأنه ، وحول مسألة التوحيد.
فذهب البعض : إنّ المسيح هو الله الذي نزل إلى الأرض! فأحيى جماعة ، وأمات اخرى ، ثم صعد إلى السماء!