ومؤامرتهم وخططهم الخبيثة إلى قلبك سبيلاً ، ولا تشك مطلقاً في أحقية دعوتك وأصالة دينك نتيجة هذه الضوضاء.
إنّ جملة «يؤمن» وردت هنا بصيغة المضارع ، وجملة «واتبع هويه» بصيغة الماضي ، وهي أشارت إلى هذه النكتة ، وهي أنّ عدم إيمان منكري القيامة ينبع من أتباع هوى النفس ، فهم يريدون أن يكونوا أحراراً ويفعلون ما تشتهي أنفسهم.
(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى) (٢٣)
عصا موسى واليد البيضاء : لا شك أنّ الأنبياء يحتاجون إلى المعجزة لإثبات إرتباطهم بالله ، وإلّا فإنّ أيّ واحد يستطيع أن يدعي النبوة.
إنّ موسى عليهالسلام بعد تلقّيه أمر النبوة ، يجب أن يتلقّى دليلها وسندها أيضاً ، وهكذا تلقّى موسى عليهالسلام في تلك الليلة المليئة بالذكريات والحوادث معجزتين كبيرتين من الله ، ويبيّن القرآن الكريم هذه الحادثة فيقول : (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يمُوسَى).
فأجاب موسى : (قَالَ هِىَ عَصَاىَ). ولمّا كان راغباً في أن يستمر في حديثه مع محبوبه الذي فتح الباب بوجهه لأوّل مرّة ، وربّما كان يظن أيضاً أنّ قوله : (هِىَ عَصَاىَ) غير كاف ، فأراد أن يبيّن آثارها وفوائدها فأضاف : (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى) (١). أي أضرب بها على اغصان الشجر فتتساقط اوراقها لتأكلها الأغنام (وَلِىَ فِيهَا مَارِبُ أُخْرَى) (٢).
إنّ موسى غطّ في تفكير عميق : أيّ سؤال هذا في هذا المجلس العظيم ، وأيّ جواب أعطيه؟ وماذا كانت تلك الأوامر؟ ولماذا هذا السؤال؟
وفجأة : (قَالَ أَلْقِهَا يمُوسَى * فَأَلْقهَا فَإِذَا حَيَّةٌ تَسْعَى). «تسعى» : من مادة السعي أي المشي السريع الذي لا يصل إلى الركض.
__________________
(١) «أهش» : من مادة هشّ ـ بفتح الهاء ـ أي ضرب أوراق الشجر وتساقطها.
(٢) «مارب» : جمع مأربة ، أي الحاجة والقصد.