الوطن الموعود (فلسطين) ، إلّاأنّهم لمّا وصلوا إلى سواحل النيل علم الفراعنة بهم ، فتعقّبهم فرعون في جيش عظيم ، فرأى بنو إسرائيل أنفسهم محاصرين بين البحر والعدو ، إلّا أنّ الله أمر موسى أن امض بقومك (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِى الْبَحْرِ يَبَسًا). طريقاً متى ما مضيت فيه ف (لَّاتَخفُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى).
وبذلك فإنّ موسى وبني إسرائيل قد ساروا في تلك الطرق التي فتحت في أعماق البحر بعد إنحسار المياه عنها ، في هذه الأثناء وصل فرعون وجنوده إلى ساحل البحر فدُهشوا لهذا المشهد المذهل المثير غير المتوقّع ، ولذلك أعطى فرعون أمراً لجنوده باتّباعهم ، وسار هو أيضاً في نفس الطريق : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ).
إنّ فرعون الذي ركب الغرور والعصبية رأسه ، وغرق في بحر العناد والحماقة ، لم يهتمّ لهذه المعجزة الكبيرة ، وأمر جيشه في المسير في هذه الطرق البحرية المريبة حتى دخل من هذه الجهة آخر جندي فرعوني ، في وقت خرج من الجانب الآخر آخر فرد من بني إسرائيل.
في هذه الأثناء صدر الأمر لأمواج المياه أن ترجع إلى حالتها الاولى ، فوقعت عليهم الأمواج كما تسقط البناية الشامخة إذا هدّمت قواعدها (فَغَشِيَهُم مّنَ الْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ). أجل ، (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى).
صحيح أنّ جملة (أضلّ) وجملة (ما هدى) تعطي معنى واحداً تقريباً إلّاأنّ الظاهر أنّ هناك تفاوتاً فيما بينهما ، وهو أنّ (أضلّ) إشارة إلى الإضلال ، و (ما هدى) إشارة إلى عدم الهداية بعد وضوح الضلالة.
إنّ فرعون كان عنيداً إلى الحد الذي لم يبيّن لقومه الحقيقة حتى بعد وضوح الضلال ومشاهدته.
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (٨٢)