من المجرمين ما أجراه على المجرمين السابقين ، فيقول القرآن : (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى).
إنّ هذه السنّة الإلهية التي ذكرت في مواضع عديدة من القرآن باسم (كلمة) إشارة إلى قانون الخلقة المبتني على حرية البشر ، لأنّ كل مجرم إذا عوقب مباشرة وبدون أن يمهل ، فإنّ الإيمان والعمل الصالح سيتّصف بالجبر تقريباً ، وسيكون على الأغلب خوفاً من العقاب الآني ، وبناءً على هذا فسوف لا يكون وسيلة للتكامل الذي هو الهدف الأصلي.
إضافةً إلى أنّه إذا تقرّر أن يعاقب جميع المجرمين فوراً ، فسوف لا يبقى أحد حيّاً على وجه الأرض : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ) (١). وبناءً على هذا فيجب أن تكون هناك مهلة وفترة تعطى لكل المرتبطين بطريق الحق حتى يرجع المجرمون إلى أنفسهم ويسلكوا سبيل الصلاح ، ولتكون كذلك فرصة لتهذيب النفس.
إنّ التعبير ب (أجل مسمّى) بالشكل الذي يفهم من مجموع آيات القرآن ، إشارة إلى الزمان الحتمي لنهاية حياة الإنسان.
ثم يوجّه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، فيقول : (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ). ومن أجل رفع معنويات النبي صلىاللهعليهوآله وتقوية قلبه ، وتسلية خاطره ، فإنّه يُؤمر بمناجاة الله والصلاة والتسبيح فيقول : (وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْءَانَاىِ الَّيْلِ فَسَبّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) ولا يتأثّر قلبك جرّاء كلامهم المؤلم.
لا شك أنّ هذا الحمد والتسبيح محاربة للشرك وعبادة الأصنام ، وفي الوقت نفسه صبر وتحمّل أمام أقوال المشركين السيئة ، وكلامهم الخشن.
(وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (١٣٢) وَقَالُوا لَوْ لَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْ لَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) (١٣٥)
__________________
(١) سورة النحل / ٦١.