فالبيّنات تتحدث عن دلائل إثبات النبوة ، والزّبر إشارة إلى الكتب التي جمعت فيها تعليمات الأنبياء.
ومن ثم يتوجه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، ليبيّن للناس مسؤوليتهم تجاه آيات ربّهم الحق.
فدعوتك ورسالتك ليست بجديدة من الناحية الأساسية ، وكما أنزلنا على الذين من قبلك من الرسل كتباً ليعلّموا الناس تكاليفهم الشرعية ، فقد أنزلنا عليك القرآن لتبيّن تعاليمه ومفاهيمه ، وتوقظ به الفكر الإنساني ليسيروا في طريق الحق.
(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (٤٧)
لكل ذنب عقابه : ثمّة ربط في كثير من بحوث القرآن بين الوسائل الاستدلالية والمسائل الوجدانية بشكل مؤثّر في نفوس السامعين ، والآيات أعلاه نموذج لهذا الاسلوب. فالآيات السابقة عبارة عن بحث منطقي مع المشركين في شأن النبوة والمعاد ، في حين جاءت هذه الآيات بالتهديد للجبابرة والطغاة والمذنبين. فتبتدأ القول : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيَاتِ) من الذين حاكوا الدسائس المتعددة لإطفاء نور الحق والإيمان (أَن يَخْسِفَ بِهِمُ الْأَرْضَ).
فهل ببعيد (بعد فعلتهم النكراء) أن تتزلزل الأرض زلزلة شديدة فتنشق القشرة الأرضية لتبتلعهم وما يملكون ، كما حصل مراراً لأقوام سابقة؟!
«مكروا السيئات» : بمعنى وضعوا الدسائس والخطط وصولاً لأهدافهم المشؤمة السيئة ، كما فعل المشركون للنيل من نور القرآن ومحاولة قتل النبي صلىاللهعليهوآله.
«يخسف» : من مادة «خسف» بمعنى الإختفاء ، ولهذا يطلق على اختفاء نور القمر في ظل الأرض اسم (الخسوف).
ثم يضيف : (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَايَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ). أي : عند ذهابهم ومجيئهم وحركتهم في اكتساب الأموال وجمع الثروات. (فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ).
إنّ «معجزين» من الإعجاز بمعنى إزالة قدرة الطرف الآخر ، وهي هنا بمعنى الفرار من العذاب ومقاومته.