أو أنّ العذاب الإلهي لا يأتيهم على حين غفلة منهم بل بشكل تدريجي ومقروناً بالإنذار المتكرر : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ).
فاليوم مثلاً ، يصاب جارهم ببلاء ، وغداً يصاب أحد أقربائهم ، وفي يوم آخر تتلف بعض أموالهم ... والخلاصة ، تأتيهم تنبيهات وتذكيرات الواحدة تلو الاخرى ، فإن استيقظوا فما أحسن ذلك ، وإلّا فسيصيبهم العقاب الإلهي ويهلكهم.
إنّ العذاب التدريجي في هذه الحالات يكون لاحتمال أن تهتدي هذه المجموعة ، والله عزوجل لا يريد أن يعامل هؤلاء كالباقين : (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (٥٠)
سجود الكائنات لله عزوجل : تعود هذه الآيات مرّة اخرى إلى التوحيد بادئةً ب (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَىْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِللُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) (١). أي : ألم يشاهد المشركون كيف تتحرك ظلال مخلوقات الله يميناً وشمالاً لتعبّر عن خضوعها وسجودها له سبحانه؟
وهنا ... يعرض الباري سبحانه حركة ظلال الأجسام يميناً وشمالاً بعنوانها مظهراً لعظمته جلّ وعلا واصفاً حركتها بالسجود والخضوع.
وجاء في الآية أعلاه ذكر سجود الظلال بمفهومه الواسع ، أمّا في الآية التالية فقد جاء ذكر السجود بعنوانه برنامجاً عامّاً شاملاً لكل الموجودات المادية وغير المادية ، وفي أيّ مكان ، فتقول : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) ، مسلمين لله ولأوامره تسليماً كاملاً.
وحقيقة السجود نهاية الخضوع والتواضع والعبادة ، وما نؤدّيه من سجود على الأعضاء السبعة ما هو إلّامصداق لهذا المفهوم العام ولا ينحصر به.
وبما أنّ جميع مخلوقات الله في عالم التكوين والخلق مسلّمة للقوانين العامة لعالم الوجود ،
__________________
(١) «داخر» : في الأصل من مادة (دخور) أي : التواضع.