والأمر الثاني هو : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ). أي الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحّة.
إنّ هذه الآية إشارة إلى كيفيّة تلبية المشركين في مراسم الحج في زمن الجاهلية ، لأنّهم يلبّون بشكل يتضمّن الشرك بعينه ، ويبعدونه عن صورته التوحيدية.
ومع هذا فإنّ إهتمام الآية المذكورة بأعمال المشركين ، لا يمنع من تعميمها على بطلان أيّة عبادة للأصنام بأيّة صورة كانت ، وإجتناب أيّ قول باطل مهما كانت صورته.
(حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٣٣)
عقّبت الآيات هنا المسألة التي أكّدتها آخر الآيات السابقة ، وهي مسألة التوحيد ، وإجتناب أيّ صنم وعبادة الأوثان ، حيث تقول : (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ). أي أقيموا مراسم الحج والتلبية في حالة تخلصون فيها النية لله وحده لا يخالطها أيّ شرك أبداً.
«حنفاء» : جمع «حنيف» أي الذي إستقام وإبتعد عن الضلال والانحراف. أو بتعبير آخر : هو الذي سار على الصراط المستقيم.
إنّ الآية السابقة اعتبرت الإخلاص وقصد القربة إلى الله محرّكاً أساسياً في الحج والعبادات الاخرى ، حيث ذكرت ذلك بشكل عام ، فالإخلاص أصل العبادة ، والمراد به الإخلاص الذي لا يخالطه أيّ نوع من الشرك وعبادة غير الله.
ثم ترسم الآية ـ موضع البحث ـ صورة حيّة ناطقة عن حال المشركين وسقوطهم وسوء طالعهم ، حيث تقول : (وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ) (١).
«السماء» : هنا كناية عن التوحيد ؛ و «الشرك» هو السبب في السقوط من السماء هذه.
والذي يسقط من السماء يفقد كل قدرة على اتّخاذ قرار ما ، ويبتلى بفقدانه هذا المكان
__________________
(١) «تخطفه» : مشتقة من «الخطف» على وزن فعل ، بمعنى الإمساك بالشيء أثناء تحرّكه بسرعة ؛ و «سحيق» : تعني «البعيد» وتطلق على النخلة العالية كلمة «سحوق».