ولهذا يقول القرآن : (لَاجَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ). أي : أنّهم ليسوا فاقدين لحسن العاقبة فقط ، بل و «لهم النار» (وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ) أي : من المتقدمين في دخول النار.
والمفرط : من فرط ، على وزن (فقط) بمعنى التقدم.
وربّما يراود البعض منّا الإستغراب عند سماعه لقصة عرب الجاهلية في وأدهم للبنات ، ويسأل : كيف يصدّق أن نسمع عن إنسان ما يدفن فلذة كبده بيده وهي على قيد الحياة؟!
وكأنّ الآية التالية تجيب على ذلك : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطنُ أَعْمَالَهُمْ).
ثم يضيف القرآن : إنّ مشركي اليوم على سنّة من سبقهم من الماضين من الذين زيّنوا أعمالهم بزخرف ما أوحى لهم الشيطان (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) ، يستفيدون مما يعطيهم إيّاه.
ولهذا ... (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وتبيّن آخر آية من الآيات مورد البحث هدف بعث الأنبياء ، ولتؤكّد حقيقة أنّ الأقوام والامم لو اتبعت الأنبياء وتخلّت عن أهوائها ورغباتها الشخصية لما بقي أثر لأي خرافة وانحراف ، ولزالت تناقضات الأعمال ، فتقول : (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيّنَ لَهُمُ الَّذِى اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
(وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٦٧)
المياه ، الثمار ، الأنعام : مرّة اخرى ، يستعرض القرآن الكريم النعم والعطايا الإلهية الكثيرة ، تأكيداً لمسألة التوحيد ومعرفة الله ، وإشارة إلى مسألة المعاد ، وتحريكاً لحس الشكر لدى العباد ليتقربوا إليه سبحانه أكثر ، ومن خلال هذا التوجيه الرباني تتّضح علاقة الربط بين هذه الآيات وما سبقها من آيات. فيقول : (وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً لّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).
وهذا المظهر من مظاهر قدرة وعظمة الخالق عزوجل يدلل بما لا يقبل الشك على إمكان المعاد.