وإنّ نعمة الأمطار دليل آخر على قدرة وعظمة الخالق سبحانه.
وبعد ذكر نعمة الماء (الذي يعتبر الخطوة الاولى على طريق الحياة) يشير القرآن الكريم إلى نعمة وجود الأنعام ، وبخصوص ما يؤخذ منها من اللبن كمادة غذائية كثيرة الفائدة ، فيقول : (وَإِنَّ لَكُمْ فِى الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً).
وأيّة عبرة أكثر من أن : (نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لّلشَّارِبِينَ).
«الفرث» : لغة بمعنى الأغذية المهضومة في المعدة والتي بمجرد وصولها إلى الامعاء تزوّد البدن بمادتها الحياتية ، بينما يدفع الزائد منها إلى الخارج .. فما يهضم من غذاء داخل المعدة يسمّى «فرثاً» وما يدفع إلى الخارج يسمّى (روثاً).
ونعلم بأنّ جدار المعدة لا يمتص إلّامقداراً قليلاً من الغذاء (كبعض المواد السكّرية) والقسم الأكبر منه ينتقل إلى الأمعاء كي يمتص الدم ما يحتاجه منه.
وكما نعلم أيضاً بأنّ اللبن يترشح من غدد خاصه داخل ثدي الإناث ، ومادته الأصلية تؤخذ من الدم والغدد الدهنية.
فهذه المادة الناصعة البياض ذات القوة الغذائية العالية تنتج من الأغذية المهضومة المخلوطة بالفضلات ، ومن الدم.
والعجب يكمن في استخلاص هذا النتاج الخالص الرائع من عين ملوّثة.
وبعد حديثه عن الأنعام وألبانها يتناول القرآن ذكر النعم النباتية ، فيقول : (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٦٩)
(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) : انتقل الأسلوب القرآني بهاتين الآيتين من عرض النعم الإلهية المختلفة وبيان أسرار الخليقة إلى الحديث عن «النحل» وما يدّره من منتوج (العسل) ورمز إلى ذلك الالهام الخفي بالوحي الإلهي إلى النحل : (أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ).