إنّ الوحي في هذا المورد يعني الأمر الغريزي والباعث الباطني الذي أودعه الله في الكائنات الحية.
وأوّل مهمة أمر بها النحل في هذه الآية هي : بناء البيت ، ولعل ذلك إشارة إلى أنّ اتخاذ المسكن المناسب بمثابة الشرط الأوّل للحياة ، ومن ثم القيام ببقية الفعاليات.
ويذكر القرآن الكريم في الآية التالية المهمة الثانية للنحل : (ثُمَّ كُلِى مِن كُلّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً).
وأخيراً يعرض القرآن المهمة الأخيرة للنحل (كنتيجة لما قامت به من مهام سابقة) : (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لّلنَّاسِ إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). في طبيعة حياتها وما تعطيه من غذاء للإنسان (فيه شفاء) ، وهو دليل على عظمة وقدرة الباري عزوجل.
كما نعلم بأنّ للنباتات والأوراد استعمالات علاجية فعّالة لكثير من الأمراض ، والشيء المهم في موضوعنا ما توصّل إليه العلماء من خلال تجاربهم التي أكّدت على أنّ للنحل من المهارة بحيث إنّه في علمية صنعه للعسل لم يبذّر فيما تحويه النباتات والأوراد من خواص علاجية ، فالنحل ينقل تلك الخواص بالكامل ويجعلها في العسل.
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (٧٢)
سبب اختلاف الأرزاق : بيّنت الآيات السابقة قسماً من النعم الإلهية المجعولة في عالمي النبات والحيوان ، لتكون دليلاً حسيّاً لمعرفته جلّ شأنه ، وتواصل هذه الآيات مسألة إثبات الخالق جلّ وعلا بأسلوب آخر ، وذلك بأنّ تغيير النعم خارج عن اختيار الإنسان ، وذلك كاشف بقليل من الدقّة والتأمل على وجود المقدّر لذلك. فيبتدأ القول ب (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفكُمْ). فمنه الممات كما كانت الحياة منه ، ولتعلموا بأنّكم لستم خالقين لأيّ من الطرفين (الحياة والموت).