الممكن أن تشمل جميع التعاليم الإلهية. لهذا فإنّ الآية تبيّن أنّ لكل امّة شرعة ومنهاجاً يفي بمتطلّباتها بحسب الأحوال التي تعيشها ، لكن ارتقاءها يستوجب تعاليم جديدة تلبّي مطامحها المترقية ، وهذا ما صدعت به الآية المباركة وأنارته قائلة : (فَلَا يُنزِعُنَّكَ فِى الْأَمْرِ).
فبما تقدّم لا ينبغي لهم منازعتك في هذا الأمر. (وَادْعُ إِلَى رَبّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٌ). تخاطب الآية النبي صلىاللهعليهوآله أن يا أيّها النبي لا يؤثّر هؤلاء في دعوتك الراشدة باعتراضاتهم الضالة ، فالمهتدي إلى الصراط المستقيم أقوى من الضارب في التيه.
ثم أضافت الآية : (وَإِن جدَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ). فلو استمرّوا في جدالهم ومنازعتهم معك ، ولم يؤثّر فيهم كلامك. فقل لهم : إنّ الله أعلم بأعمالكم ، وستحشرون إليه في يوم يعود الناس فيه إلى التوحيد ، وتحلّ جميع الإختلافات لظهور الحقائق لجميع الناس : (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
وبما أنّ القضاء بين العباد يوم القيامة بحاجة إلى علم واسع بهم وإطّلاع دقيق بأعمالهم ، ختمت الآيات هاهنا بقوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ). و (إِنَّ ذلِكَ فِى كِتبٍ). أجل ، إنّ جميع ذلك قد ثبت في كتاب علم الله الذي لا حدود له ، كتاب عالم الوجود وعالم العلة والمعلول ، عالم لا يضيع فيه شيء ، فهو في تغيير دائم ، وكل هذه الموجودات حاضرة بين يدي الله سبحانه بجميع صفاتها وخصائصها ، وهذا من معاني القدرة الإلهية التي نلمسها في قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ).
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٧٤)