وروي ـ في تفسير مجمع البيان ـ أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته ، فقال : «أما إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه».
إشارة منه صلىاللهعليهوآله إلى أنّ الخشوع الباطني يؤثّر في ظاهر الإنسان.
وثاني صفة للمؤمنين بعد الخشوع مما تذكره الآية : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ).
حقّاً نرى جميع حركات وسكنات المؤمنين تتجّه لهدف واحد مفيد وبنّاء.
وتشير الآية الرابعة إلى ثالث صفة من صفات المؤمنين الحقيقيين ، وهي ذات جانب إجتماعي ومالي حيث تقول : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوةِ فعِلُونَ).
ورابع صفة من صفات المؤمنين هي الطهارة والعفة بشكل تام ، وإجتناب أي معصية جنسية ، حيث تقول الآية : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حفِظُونَ) (١). يحفظونها ممّا يخالف العفّة (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).
بما أنّ الغريزة الجنسية أقوى الغرائز عند الإنسان تمرّداً ، ولضبط النفس عنها يحتاج المرء إلى التقوى والإيمان القوي ، لهذا أكدّت الآية التالية على هذه المسألة : (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).
إنّ عبارة المحافظة على «الفروج» قد تكون إشارة إلى أنّ فقدان المراقبة المستمرة في هذا المجال تؤدّي بالفرد إلى خطر التلوّث بالانحرافات الكثيرة.
وأشارت الآية الثامنة ـ موضع البحث ـ إلى الصفتين الخامسة والسادسة من صفات المؤمنين البارزة ، حيث تقول : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).
إنّ المحافظة على «الأمانة» بالمعنى الواسع للكلمة ، وكذلك الالتزام بالعهد والميثاق بين يدي الخالق والخلق من صفات المؤمنين البارزة ، وتعني الأمانة بمفهومها الواسع أمانة الله ورسوله إضافة إلى أمانات الناس ، وكذلك ما أنعم الله على خلقه. وتضمّ أيضاً أمانة الله الدين الحق والكتب السماوية وتعاليم الأنبياء القدماء ، وكذلك الأموال والأبناء والمناصب جميعها أمانات الله سبحانه وتعالى بيد البشر.
وهكذا أنّ الحكومة وديعة إلهية مهمة جدّاً يجب إيداعها بيد من هو أهلها.
وبيّنت الآية التاسعة من الآيات موضع البحث آخر صفة من صفات المؤمنين حيث تقول : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوتِهِمْ يُحَافِظُونَ).
__________________
(١) «الفروج» : جمع فرج ، وهو كناية عن الجهاز التناسلي.