وممّا يلفت النظر أنّ أوّل صفة للمؤمنين كانت الخشوع في الصلاة ، وآخرها المحافظة عليها ، لأنّ الصلاة أهمّ رابطة بين الخالق والمخلوق ، وأغنى مدرسة للتربية الإنسانية.
وإنّ الصلاة إن اقيمت على وفق آدابها اللازمة ، أصبحت أرضية أمينة لأعمال الخير جميعاً.
بعد بيان هذه الصفات الحميدة ، بيّنت الآية التالية حصيلة هذه الصفات فقالت : (أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ).
اولئك الذين يرثون الفردوس ومنازل عالية وحياة خالدة : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خلِدُونَ). «الفردوس» : الجنة العالية ، وأفضل البساتين.
إنّ هذه المنزلة العالية ـ حسب ظاهر الآيات المذكورة أعلاه ـ خاصة بالمؤمنين الذين لهم هذه الصفات ، ونجد أهل الجنة الآخرين في منازل أقلّ أهمية من هؤلاء المؤمنين.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) (١٦)
مراحل تكامل الجنين في الرحم : تبيّن الآيات موضع البحث ـ وقسم من الآيات التالية لها ـ السبيل لكسب الإيمان والمعرفة ، حيث يمسك القرآن بيد الإنسان ليأخذه إلى «عالم النفس» وليكشف له أسرار باطنه وهو «السير الأنفسي» ، وتثير الآيات التالية لها إنتباه الإنسان إلى عالم الظاهر والمخلوقات المدهشة في عالم الوجود وسير عالم الآفاق ، وهو «السير الآفاقي».
تقول الآيات أوّلاً : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسنَ مِن سُللَةٍ مّن طِينٍ) (١).
وتضيف الآية التالية : (ثُمَّ جَعَلْنهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ).
وفي الواقع فإنّ الآية الاولى تشير إلى بداية وجود جمع البشر من آدم وأبنائه وأنّهم خلقوا جميعاً من التراب ، إلّاأنّ الآية التالية تشير إلى تداوم واستمرارية نسل الإنسان بواسطة تركيب نطفة الذكر ببويضة الانثى في الرحم.
__________________
(١) «السلالة» : تعني الشيء الذي يستخلص من شيء آخر ، وهي في الحقيقة خلاصة ونتيجة منه.