باقي الشعر ، ثم أطلقت هذه الكلمة على كل شيء ينفصل عن أصله ، فتقول الآية : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا). إشارة منها إلى تفرّق الامّة إلى مجموعات وفئات مختلفة.
تستعرض الآية حقيقة نفسية واجتماعية هي أنّ التعصب الجاهلي للأحزاب والفئات يمنع وصولها إلى الحقيقة ، لأنّ كلًّا منها قد اتّخذ سبيلاً خاصّاً به.
وهذه الحالة نتجت عن حبّ الذات المفرط والعناد ، وهما أكبر عدوّ للحقيقة ، ولوحدة الامة.
ولهذا تقول الآية الأخيرة هنا : (فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ). أي : اتركهم على حالهم حتى يأتي أجلهم ، أو يأتيهم الله بعذاب منه ، فليس لهم سوى هذا ، لأنّهم أصرّوا على البقاء في جهلهم ومتاهتهم.
«حين» : قد تكون إشارة إلى وقت الموت ، أو نزول العذاب ، أو كليهما.
«الغمرة» : على وزن «ضربة» فهي بالأصل من «غمر» أي إتلاف كل شيء ، ثم أطلق غمر وغامر على الماء الكثير الذي يزيل كل شيء يواجهه ، ويواصل جريانه ، ثم أطلق على الجهل والبلايا التي يغرق فيها الإنسان ، كما استعملته الآية السابقة بمعنى الغفلة والضياع والجهل والضلال.
(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (٦١)
تعرّض ما سبق من الآيات المباركة للأحزاب والمجموعات المعاندة التي غلب عليها التعصب وحبّ الذات ، بينما أشارت الآيات موضع البحث إلى بعض تصوراتهم الأنانية : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ) (١). هو من أجل أنّنا : (نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ).
فهل يتصوّرون أنّ أموالهم الوافرة وكثرة أولادهم دليل على أنّهم على حق ، ودليل على
__________________
(١) وهذا هو ما أشارت إليه معظم آيات القرآن في قضيّة (الإستدراج في النعم).
«نمدّ» : مشتقة من «الإمداد» وهو إتمام النقص والحيلولة دون القطع ، وإيصال الشيء إلى نهايته.