قرب منزلتهم من الله؟ (بَلْ لَّا يَشْعُرُونَ) أنّ كثرة أموالهم وأولادهم نوع من العذاب ، أو مقدمة للعذاب ولعقاب الله ، إنّهم لا يدركون أنّ ما أغدق عليهم ربّهم من نعم إنّما هو من أجل أن يتورّطوا في العقاب الإلهي ، ويمسي عقابهم أشد ألماً.
وبعد نفي تصورات هؤلاء الغافلين ، تستعرض هذه الآيات وضع المؤمنين والمسارعين في الخيرات ، وتبيّن صفاتهم الرئيسية ، فتقول : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ). و «الخشية» : تعني الخوف المقترن بالتعظيم والتقديس.
ثم تضيف الآية : (وَالَّذِينَ هُم بَايتِ رَبّهِمْ يُؤْمِنُونَ).
وتأتي بعد مرحلة الإيمان بآيات الله ، مرحلة تنزيهه عن كل شبهة وشريك ، فتقول الآية : (وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَايُشْرِكُونَ).
بعد هذا تأتي مرحلة الإيمان بالمعاد والبعث ، والإهتمام الخاص الذي يوليه المؤمنون الحقيقيون لهذه القضية ، التي تساعدهم عملياً في السيطرة على أعمالهم وأقوالهم ، فتقول الآية : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَاءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ).
وبعد شرح الآيات السابقة لهذه الصفات الأربعة تقول الآية : (أُولئِكَ يُسرِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ).
وقد رسمت الآيات السابقة صورة واضحة لصفات هذه القدوة من المؤمنين ، فبدأت أوّلاً بالخوف الممتزج بتعظيم الله ، وهو الدافع إلى الإيمان به ونفي الشرك عنه ، وانتهت بالإيمان بالمعاد حيث محكمة العدل الإلهي ، الذي يشكّل الشعور بالمسؤولية ، ويدفع الإنسان إلى كل عمل طيّب ، فهي تبيّن أربع خصال للمؤمنين ونتيجةً واحدةً. (فتأمّلوا جيداً).
(وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ) (٦٧)
بما أنّ خصال المؤمنين هي سبب القيام بالأعمال الخيّرة التي أشارت إليها الآيات السابقة ، فهنا يثار هذا التساؤل بأنّ هذه الخصال والقيام بهذه الأعمال لا تتيسّر لكل أحد.