فتجيب أوّل آية ـ من الآيات موضع البحث ـ عن ذلك فتقول : (وَلَا نُكَلّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا). وكل إنسان يكلّف حسب عقله وطاقته.
وهذه إشارة إلى أنّ الواجبات الشرعية هي في حدود طاقة الإنسان ، وأنّها تسقط عنه إذا تجاوزت هذه الحدود ، وكما يقول علماء اصول الفقه : إنّ هذه القاعدة حاكمة على جميع الواجبات الشرعية ومقدمة عليها.
وقد يُسأل : كيف يُحاسب كل البشر على أعمالهم كلّها صغيرها وكبيرها؟
فتجيب الآية : (وَلَدَيْنَا كِتبٌ يَنطِقُ بِالْحَقّ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ). فهناك صحيفة أعمال الإنسان المحفوظة لدى الله العلي القدير.
ولكون هذه الحقائق مؤثّرة في الواعين من الناس فحسب ، أضافت الآية التالية بأنّ هؤلاء الكفار المعاندين غارقون في دوّامة الجهل والغفلة لدرجة أنّهم غافلون عما ينتظرهم من الوعيد : (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مّنْ هذَا).
وتضيف هذه الآية : (وَلَهُمْ أَعْملٌ مِّن دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عمِلُونَ).
المهمّ هو الإنتباه إلى أنّ مصدر الأعمال الشريرة يكمن في إنغمار القلوب في الجهالة.
ولكن هؤلاء المترفين يبقون في هذه الغفلة ما داموا في نعيمهم ، فإذا جاءهم العذاب فهم يصرخون كالوحوش من شدة العذاب الإلهي ، كما تقول الآية : (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجَرُونَ).
فيخاطبون : (لَاتَجَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَاتُنصَرُونَ).
وتكشف الآية التالية عن سبب هذا المصير المشؤوم : (قَدْ كَانَتْءَايتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقبِكُمْ تَنكِصُونَ). بدلاً من الاستفادة منها والإنتباه للواقع.
«تنكصون» : مشتقة من النكوص ، بمعنى السير بشكل معاكس.
«أعقاب» : جمع «عقب» على وزن «فَعِل» وتعني عقب القدم.
وهذه الجملة كناية عن شخص يسمع كلاماً غير مرغوب فيه ، فيرتعب لدرجة يسير فيها القهقرى على عقبي قدميه.
ثم إنّه لا يرجع إلى الوراء لمجرد سماعه آيات الله ، وإنّما يصبح ممن وصفتهم الآية : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ).
وإضافةً إلى ذلك : (سمِرًا تَهْجُرُونَ). أي يتسامرون في لياليهم ويتحدثون عن النبي والقرآن بالباطل.