سبب النّزول
في الكافي عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : «استقبل شابّ من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنّعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان ، فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشقّ وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على صدره وثوبه ، فقال : والله لآتين رسول الله صلىاللهعليهوآله ولأخبرنّه». قال : فأتاه فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوآله قال له : ما هذا؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل عليهالسلام بهذه الآية : (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصرِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
التّفسير
مكافحة السفور وخائنة الأعين : قلنا في البداية : إنّ هذه السورة اختصت بالعفة والطهارة وتطهير الناس من جميع الانحرافات الجنسية ، ولا يخفى على أحد إرتباط هذا البحث بالبحوث الخاصة بالقذف. تقول الآية أوّلاً : (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصرِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ). «يغضوا» : مشتقة من «غضّ» من باب «ردّ» وتعني في الأصل التنقيص ، لهذا لم تأمر الآية أن يغمض المؤمنون عيونهم ، بل أمرت أن يغضّوا من نظرهم.
إنّ الإسلام نهى عن هذا العمل المندفع مع الأهواء النفسية والشهوات ، لأنّ (ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ). كما نصّت عليه الآية ـ موضع البحث ـ في ختامها.
ثم تحذر الآية اولئك الذين ينظرون بشهوة إلى غير محارمهم ، ويبررون عملهم هذا بأنّه غير متعمّد ، فتقول : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
وتناولت الآية التالية شرح واجبات النساء في هذا المجال ، فأشارت أوّلاً إلى الواجبات التي تشابه ما على الرجال ، فتقول : (وَقُلْ لِّلْمُؤْمِنتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ).
وبهذا حرم الله النظر بريبة على النساء أيضاً مثلما حرّمه على الرجال ، وفرض تغطية فروجهنّ عن أنظار الرجال والنساء مثلما جعل ذلك واجباً على الرجال.
ثم أشارت الآية إلى مسألة الحجاب في ثلاث جمل :
أ) (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا). فلا يحق للنساء الكشف عن زينتهنّ المخفية ، وإن كانت لا تُظهر أجسامهنّ ، أي لا يجوز لهنّ الكشف عن لباس يتزيّنّ به تحت اللباس