وفي الحقيقة إنّ هذا من شروط النظم والتنظيم ولا يمكن لأية مجموعة منظمة منسجمة أن تهمله ، فغياب شخص واحد قد تترتب عليه صعوبات ويلحق ضرراً بالهدف النهائي ، فإذا وجد القائد أنّ غياب هذا الشخص يلحق ضرراً ، فمن حقه أن لا يأذن له ، وعليه أن يضحي بمصلحته من أجل هدف أسمى ، لهذا تضيف الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتْذِنُونَكَ أُوْلئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ).
وتقول الآية في الختام : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
تبيّن هذه العبارة ضرورة عدم الإستئذان بالقدر الممكن ، واتباع التضحية والإيثار حتى لا يتورطوا بارتكاب عمل تركه أولى كمغادرة الجماعة لعمل بسيط.
ومن الطبيعي أن لا تخصّ هذه التعاليم التنظيمية الرسول صلىاللهعليهوآله وأصحابه فقط ، وإنّما هي واجبة الإتباع إزاء كل قائد إلهي ، سواء كان نبياً أم إماماً أم عالماً نائباً لهما ، حيث يتوقف مصير المسلمين على هذه الطاعة ، كما يحتمه ـ إضافة إلى القرآن ـ العقل والمنطق.
ثم بيّنت الآية التالية حكماً آخر له علاقة بتعاليم النبي صلىاللهعليهوآله حيث تقول : (لَّاتَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا).
إن الرسول صلىاللهعليهوآله عندما يدعوكم للاجتماع ، فإنّه لابدّ من أن يكون لمسألة إلهية مهمة ، لهذا يجب عليكم الإهتمام بدعوته ، والإلتزام بتعاليمه ، وألّا تهملوها ، فأمره من الله ودعوته منه سبحانه وتعالى.
ثم تضيف الآية : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
«يتسلّلون» : مشتقة من «تسلل» ، وتعني سحب الشيء من موضعه ، كما يطلق على الذين يفرون سرّاً من مكان تجمع محدد لهم ، كلمة «متسللون».
«لواذاً» : مشتقة من «ملاوذة» بمعنى الإختفاء ، وتعني هنا اختفاء البعض وراء البعض أو خلف جدار. أو بتعبير آخر : استغفال الآخرين ثم الفرار من مكان تجمعهم ، وهذا ما كان يقوم به المنافقون حينما يوجه الرسول صلىاللهعليهوآله الدعوة للجهاد أو لأمر مهم آخر.
وآخر آية من الآيات موضع البحث ـ والتي هي آخر سورة النور ـ إشارة بليغة إلى قضية المبدأ والمعاد حيث تقول : (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
فإنّ الله العالم بكل شيء ، (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ). أي : يعلم اسلوبكم في التعامل