لأنّهم كانوا عاملاً مؤثّراً للفساد على الأرض وإضلال خلق الله بالصدّ عن سبيله.
والحديث المشهور يبيّن لنا هذا المعنى بوضوح : «من استن بسنّة عدل فاتبع كان له أجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء ومن استن سنّة جور فاتبع كان عليه مثل وزر من عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء».
وتتناول الآية أيضاً مسألة وجود الشهيد في كل امّة (والذي ذكر قبل آيات معدودة) ، ولمزيد من التوضيح يقول القرآن الكريم : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مّنْ أَنفُسِهِمْ).
ومع أنّ عموم الحكم في هذه الآية يشمل المجتمع الإسلامي والنبي صلىاللهعليهوآله إلّاأنّ القرآن الكريم في مقام التأكيد قال : (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هؤُلَاءِ).
وبما أنّ جعل الشاهد فرع لوجود برنامج كامل وجامع للناس بما تتم فيه الحجة عليهم ، ويصح فيه مفهوم النظارة والمراقبة ، لذا يقول القرآن بعد ذلك مباشرة : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).
إنّ الآية أعلاه ذكرت أربعة تعابير متلازمة حسب تسلسلها لتوضيح الهدف من نزول القرآن : ١ ـ تبياناً لكل شيء. ٢ ـ هدى. ٣ ـ رحمة. ٤ ـ بشرى للمسلمين.
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠)
أكمل برنامج إجتماعي : بعد أن ذكرت الآيات السابقة أنّ القرآن فيه تبيان لكل شيء ، جاءت هذه الآية لتقدّم نموذجاً من التعليمات الإسلامية في شأن المسائل الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية ، فتقول في البدء : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاىِ ذِى الْقُرْبَى).
فالعدل هو القانون الذي تدور حول محوره جميع أنظمة الوجود.
والمعنى الواقعي للعدل يتجسد في جعل كل شيء في مكانه المناسب ، فالانحراف والإفراط والتفريط وتجاوز الحد والتعدّي على حقوق الآخرين ، ما هي إلّاصور لخلاف أصل العدل.
ومع ما للعدالة من قدرة وجلال وتأثير عميق في كل الأوقات ـ الطبيعية والاستثنائية ـ