لآيات الخالق ، فيقول تعالى : (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكّرُوا بَايَاتِ رَبّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا).
من المسلّم أنّ المقصود ليس الإشارة إلى عمل الكفار ، ذلك لأنّهم لا اعتناء لهم بآيات الله أصلاً ، بل إنّ المقصود : فئة المنافقين أو مسلمو الظاهر ، الذين يقعون على آيات الله بأعين وآذان موصدة ، دون أن يتدبّروا حقائقها ، ويستهدوه في أعمالهم.
التلقي الواعي عن الدين هو المعين الأساس للمقاومة والثبات والصمود ، لأنّ من اليسير خداع من يقتصر على ظواهر الدين ، وبتحريفه يتم الإنحراف عن الخط الأصيل ، فيهوي بهم ذلك إلى وادي الكفر والضلالة وعدم الإيمان.
الصفة الثانية عشر الخاصّة لهؤلاء المؤمنين الحقيقيين ، هي التوجه الخاص إلى تربية أبنائهم وعوائلهم ، وإيمانهم بمسؤوليتهم العظيمة إزاء هؤلاء : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزْوَاجِنَا وَذُرّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ).
بديهي أنّ معنى هذا ليس أن يقبعوا في زاوية ويتضرعوا بالدعاء ، بل إنّ الدعاء دليل شوقهم وعشقهم الداخلي لهذا الأمر ، ورمز جدهم واجتهادهم.
والصفة الثالثة عشر ل «عباد الرحمن» ، التي هي أهم هذه الصفات من وجهة نظر معينة : هي أنّهم لا يقنعون أبداً أنّهم على طريق الحق ، بل إنّ همتهم عالية بحيث يريدون أن يكونوا أئمة وقدوات للمؤمنين ، ليدعوا الناس إلى هذا الطريق أيضاً. إنّهم ليسوا كالزهاد المنزوين في الزوايا ، وليس همّهم انقاذ أنفسهم من الغرق ، بل إنّ سعيهم هو أن ينقذوا الغرقى. لذا يقول في آخر الآية ، إنّهم الذين يقولون : (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
نعم ، إنّهم عباد الرحمن ، وكما أنّ رحمة الله العامة تشمل الجميع فإنّ رحمة الله بهؤلاء العباد عامة أيضاً من أكثر من جهة ، فعلمهم وفكرهم وبيانهم وقلمهم ومالهم وقدرتهم تخدم بلا انقطاع في طريق هداية خلق الله.
اولئك نماذج الإنسان الكامل والاسوة في المجتمع الإنساني.
اولئك قدوات المتقين.
بعد إكمال هذه الصفات الثلاثة عشرة ، يشير تعالى إلى عباد الرحمن هؤلاء مع جميع هذه الخصائص ، وفي صورة الكوكبة الصغيرة ، فيبيّن جزاءهم الإلهي : (أُولئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا). «غرفة» : من مادة «غرف» (على وزن حرف) بمعنى رفع الشيء وتناوله ، ويقال لما يغترف ويتناول «غرفة» ، ثم اطلقت على الأقسام العليا من البناء ، ومنازل