٢ ـ (وَهَدَيهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ، وحفظه من كل انحراف ، لأنّ الهداية لا تأتي لأحد عبثاً ، بل لابدّ من توفّر الإستعداد والأهلية لذلك.
٣ ـ (وَءَاتَيْنهُ فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً). «الحسنة» : في معناها العام كل خير وإحسان ، فتشمل منح مقام النبوة ، مروراً بالنعم المادية حتى نعمة الأولاد وما شابهها.
٤ ـ (وَأَنَّهُ فِى الْأَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ). ومع أنّ إبراهيم كان على رأس الصالحين في الدنيا ، فإنّه سيكون منهم في الآخرة كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم ، وهذه دلالة على عظمة مقام الصالحين بأن يحسب إبراهيم عليهالسلام على ما له من مقام سام كأحدهم في دار الآخرة ، ولِم لا يكون ذلك وقد طلب إبراهيم عليهالسلام ذلك من ربّه حين قال : (رَبّ هَبْ لِى حُكْمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ).
٥ ـ وختمت عطايا الله عزوجل لإبراهيم عليهالسلام لما ظهر منه من صفات متكاملة ، بأن جعل دينه عامّاً وشاملاً لما ما سيأتي بعده من أزمان ـ وخصوصاً للمسلمين ـ ولم يجعل دينه مختصاً بعصر أهل زمانه ، فقال الله عزوجل : (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرهِيمَ حَنِيفًا) (١).
ويأتي التأكيد مرّة اخرى : (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
وبملاحظة الآيات السابقة يبدو لنا هذا السؤال : إن كان دين الإسلام هو نفس دين إبراهيم وأنّ المسلمين يتّبعون سنن إبراهيم عليهالسلام في كثير من المسائل ومنها إحترام يوم الجمعة ، فلماذا اتّخذ اليهود يوم السبت عيداً لهم بدلاً من الجمعة ويعطلون فيه أعمالهم؟
إنّ آخر آية من الآيات مورد البحث تجيب على السؤال المذكور حين تقول : (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ). أي : إنّ السبت وما حرّم في السبت كان عقوبة لليهود ، وقد اختلفوا فيه أيضاً ، فمنهم مَن قبله ومنهم مَن أهمله.
وتقول بعض الروايات : أنّ موسى عليهالسلام دعا قومه ـ بني اسرائيل ـ لاحترام يوم الجمعة وتعطيل أعمالهم فيه ، وهو دين إبراهيم عليهالسلام إلّاإنّهم تعللوا ، واختاروا يوم السبت ، فجعله الله عطلة لهم ولكن بضيق وشدّة ، ولهذا لا ينبغي الإعتماد على تعطيل يوم السبت ، لأنّه إنّما كان استثنائياً وذا طابع جزائي ، وأفضل دليل على هذا الأمر أنّ اليهود أنفسهم اختلفوا في يومهم
__________________
(١) «الحنيف» : بمعنى الذي يترك الإنحراف ويتّجه إلى الإستقامة والصلاح. وبعبارة اخرى : يغضّ نظره عن الأديان والأوضاع المنحرفة ويتوجّه نحو صراط الله المستقيم ، الدين الموافق للفطرة ، ولهذا يسمى الصراط المستقيم ، فالتعبير بالحنيف يحمل بين طيّاته إشارة خفيّة إلى أنّ التوحيد هو دين الفطرة.