«النطفة» : في الأصل بمعنى الماء القليل ، أو الماء الصافي ، ثم أطلقت على قطرات الماء التي تكون سبباً لوجود الإنسان بعد تلقيحها.
وحقيقة التعبير يراد به تبيان عظمة وقدرة الله عزوجل ، حيث يخلق هذا المخلوق العجيب من قطرة ماء حقيرة مع ما له من قيمة وتكريم وشرف بين باقي المخلوقات وعند الله أيضاً.
ثم يشير القرآن الكريم إلى نعمة خلق الحيوانات وما تدر من فوائد كثيرة للإنسان فيقول : (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ). فخلق الأنعام الدال على علم وقدرة الباري سبحانه ، فيها من الفوائد الكثيرة للإنسان.
ولم يكتف بذكر منافعها المادية ، بل أشار إلى المنافع النفسية والمعنوية كذلك حين قال : (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ).
«تريحون» : (من مادة الإراحة) بمعنى إرجاع الحيوانات عند الغروب إلى محل إستراحتها ، ولهذا يطلق على ذلك المحل اسم (المراح).
و «تسرحون» : (من مادة السروح) بمعنى خروج الحيوانات صباحاً إلى مراعيها.
عبّر القرآن بكلمة «جمال» عن تلك الحركة الجماعية للأنعام حين تسرح إلى مراعيها وتعود إلى مراحها.
ف «الجمال» جمال استغناء واكتفاء ذاتي ، وجمال إنتاج وتأمين متطلبات امّة كاملة ، وبعبارة أوضح : جمال الإستقلال الاقتصادي وقطع كل تبعيّة للغير.
ثم يشير تعالى في الآية التي تليها إلى إحدى المنافع المهمة الاخرى فيقول : (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقّ الْأَنفُسِ). وهذا مظهر من مظاهر رحمة الله عزوجل ورأفته حيث سخّر لنا هذه الحيوانات مع ما تملك من قدرة وقوّة (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
فالأنعام إذن : تعطي للإنسان ما يلبسه ويدفع عنه الحر والبرد. وكذلك تعطيه الألبان واللحوم ليتقوّت بها. وتترك في نفس الإنسان آثاراً نفسية طيبة. وأخيراً تحمل أثقاله.
ثم يعرج على نوع آخر من الحيوانات ، يستفيد الإنسان منها في تنقلاته ، فيقول : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً).
وتأتي الإشارة في ذيل الآية إلى ما سيصل إليه مآل الإنسان في الحصول على الوسائط