ويمضي القرآن بعد هذا في التنويه بشأن فضيلة العبودية فيصف بها «الخضر» حيث يقول في سورة الكهف : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً).
ثم يصف بها الأبرار الأخيار من المؤمنين المستجيبين لله تعالى ، فيقول في سورة الفرقان : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) إلى آخر السورة ، ويقول في سورة الزخرف : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ). ويقول في سورة الاسراء مخاطبا الشيطان : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ).
وهكذا يشعرنا حديث القرآن عن العبودية بأنها إحدى المنازل السامية التي يتطلع اليها الأبرار من المؤمنين ، ويفاخرون بها ، ولذلك قال قائلهم يناجي ربه عزوجل :
ومما زادني شرفا وتيها |
|
وكدت بإخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك : «يا عبادي» |
|
وأن صيّرت أحمد لي نبيا |
ولا عجب فالعبودية هي أعلى مراتب الدين وأرقى درجات الطاعة ، والى هذا يشير قول سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسّلام : «الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فانه يراك».
والعبودية صفة تؤدي بالانسان إلى أن يعبد ربّه في كل مقام بما يناسب ذلك المقام ، فيتحقق من وراء ذلك خير كثير موصول ، ولذلك يذكر ابن القيم في «مدارج السالكين» إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته ، فاذا أدى العبد ما يناسب الوقت أو الحال من طاعة تلائمه وتناسبه كان على أفضل العبادة ، ففي وقت الجهاد يشغل نفسه بالقتال والنضال ، وعند حلول الضيف يقوم بواجبه ، ومع الزوجة والأهل يكون حسن المعاملة لهم ، وفي وقت تعليم الجاهل يقبل على إرشاده وتعليمه ، وعند الأذان تظهر منه الاستجابة والتلبية ، وعند حلول الصلوات يقيمها على