قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً). (١) وقال في سورة الأنفال : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ).
والعبد المراد في هذه الآيات الكريمة هو رحمة الله للعالمين سيدنا محمد عليه الصلاة والسّلام ، وكان من الممكن أن تصفه الآيات هنا بالنبوة أو الرسالة أو الرحمة أو غير ذلك من الصفات السامية الدالة عليه ، ولكن الآيات آثرت وصفه في هذه المواطن الشريفة الكريمة بصفة «العبودية». لأنها أشرف الفضائل التي يفخر بها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أمام خالقه تبارك وتعالى.
ومن هنا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله» وحينما سألته عائشة عن اجتهاده في طاعة ربه وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أجاب : «يا عائشة ، أفلا أكون عبدا شكورا».
* *
وكذلك جعل القرآن الكريم فضيلة «العبودية» صفة وخلقا للأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فقال في سورة ص عن داود : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ). وقال في السورة نفسها عن سليمان : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ). وقال فيها عن أيوب : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ). وقال فيها : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ). وقال عن زكريا في سورة مريم : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا). وقال في السورة ذاتها عن عيسى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا). وقال في سورة الاسراء عن نوح : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً). وقال في سورة التحريم مشيرا الى نوح ولوط : (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ).
__________________
(١) لبدا : جموعا متزاحمة متراكمة عليه.