أي يديمونها. ولقد روى حكيم بن حزام عن نفسه فقال : «بايعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن لا أخرّ إلا قائما». أي لا أموت إلا مستقيما ثابتا على الإسلام مستمسكا به.
* * *
ومن هذا البيان نفهم أن الاستقامة في لغة القرآن هي الإقامة على الإسلام ، والدوام على هدى الله عزوجل ، والاستمرار في التقيد بقيوده ، والوقوف عند حدوده ، والاستجابة لأوامره ، والانتهاء عن محارمه ، وهذا هو عمر الفاروق يقول : «الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ، ولا تروغ روغان الثعلب». ومفهوم هذا أن خلق الاستقامة يبعد صاحبه عن التلون والتذبذب ، وعن النفاق والرياء ، فالمستقيم قد عرف طريقه ، وآمن بعقيدته ، ومضى على سبيله ، لا يميل ولا ينحرف ، ولعل هذا هو الذي جعل ابن تيمية يقول : «الاستقامة كلمة جامعة ، آخذة بمجامع الدين ، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق ، والوفاء بالعهد ، والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات». ويقول ابن القيم : «أعظم الكرامة لزوم الاستقامة» ، لأن من لازم الاستقامة فلم يخدع ولم ينافق ، يكون كريما على نفسه غاية الكرامة ، إذ لم يقبل لها أن تنحط إلى درك التلون أو التذبذب ، ويكون كريما على ربه ، لأن الله جل جلاله يختص برحمته ونعمته ومرضاته أولئك الذين يخلصون أعمالهم وأقوالهم وأحوالهم لوجه ربهم سبحانه.
ولا عجب في ذلك ، لأن فضيلة الاستقامة هي التي تجعل صاحبها على الدوام يحاسب نفسه ، ويراقب ربّه ، ويلتزم صراطه ، ويعمر سلوكه وتصرفه بخلوص النية لله ، وصدق التوجه إلى الله ، فتكون استقامته نورا يسعى بين يديه فيهديه الطريق ، وروحا يضيء جوانب الانسان المستقيم ويصرّفه التصريف القويم ، ومن هنا قال الهروي : «الاستقامة روح تحيا به الأحوال».