وخلق الحلم هو حالة التوسط بين رذيلتين : الغضب والبلادة فإذا استجاب المرء لغضبه بلا تعقل ولا تبصر ، كان على رذيلة ، وإن تبلّد وضيّع حقّه ، ورضي بالهضم والظلم كان على رذيلة ، وإن تحلى بالحلم مع المقدرة ، وكان حلمه مع من يستحقه كان على فضيلة.
وقد يشتبه الحلم بكظم الغيظ ، مع أن هناك فرقا بينهما ـ كما أشار حجة الاسلام الغزالي ـ فكظم الغيظ هو التحلم ، أي تكلف الحلم ، وهذا يحتاج إلى مجاهدة شديدة ، لما في الكظم من كتمان ومقاومة واحتمال ، وأما الحلم فهو فضيلة أو خلق يصبح كالطبيعة ، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه على صاحبه ، وانكسار قوة الغضب عنده ، وخضوعها للعقل. ولكن هناك ارتباطا بين الحلم وكظم الغيظ ، لأن ابتداء التخلق بفضيلة الحلم يكون بالتحلم وهو كظم الغيظ ، ومن هنا ورد : «إنما الحلم بالتحلم». ومن دلائل المكانة السامية للحلم في نظر القرآن الكريم أنه ذكر اتصاف الله جل جلاله بصفة الحلم في جملة من الآيات فقال في سورة البقرة : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ). ويقول في السورة نفسها : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ). ويقول فيها كذلك : «قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم». ويقول في سورة آل عمران : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ). ويقول في سورة النساء : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ). ويقول في سورة المائدة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ، وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ).
ويقول في سورة الحج : (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ). ويقول في سورة الإسراء : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً).