وكلمة الصبر فيها معنى الانتظار ، وعلى هذا جاء قول الله تعالى : «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي انتظر ، وفيها معنى الاستقامة والمداومة ، وعلى هذا جاء قول القرآن : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) أي احبس نفسك معهم ، واستقم على ملازمتهم ، ولعل هذا المعنى موجود في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ، الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). أي قاموا بالعمل الصالح ، وداوموا عليه ، وصبروا فيه ، حتى تمام العمل.
* * *
والصبر فضيلة تتعدد مجالاتها ، فهناك صبر على الطاعة ، أي استمساك بأدائها ، وصبر على المعصية أي حرص موصول على تجنبها ، وصبر في الابتلاء ، أي حسن احتمال له ، فلا بد للمؤمن من صبر على أداء الواجب ، وصبر عن الآثام والخطايا. وصبر بحفظ اللسان عن الخنا والفحش ، وصبر بحرص اللسان على النطق بكلمة الحق حينما تجب ، وصبر بصيانة القلب والعقل من خواطر السوء ، وصبر بحفظ الجوارح والأعضاء من سوء الاستخدام ، وصبر عند الشدائد والنوازل ، وصبر في مواطن الجهاد والنضال بالإقدام والثبات وعدم الفرار أو التولي من الزحف ، والله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ). فتولية الأدبار ضد الصبر.
والصبر لفظ عام ينتظم جملة فضائل ، وقد يسمى بأسماء كثيرة لكثرة مواطنه ومظاهره ، فالصبر في الحرب يسمى شجاعة ، والصبر في النوائب قد يسمى برحابة الصدر ، والصبر مع السر قد يسمى بالكتمان ، وقد تعرض الإمام الغزالي لكثرة أنواع الصبر وألوانه واختلاف اسمائه باختلاف متعلقاته ، فقال :
«إن كان صبرا على شهوة البطن والفرج سمي عفة ، وإن كان عن احتمال