يبكي ، فقال : يا رسول الله ، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟. فقال النبي : ويحك يا بلال ، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ). ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.
وقد قيل للامام الأوزاعي : ما غاية التفكر في هذه الآيات؟ فأجاب يقرأهن ويعقلهن. ولا بد من أن يكون الأوزاعي قد أراد بعقل هذه الآيات فهمهن فهما صحيحا ، والتأثر بهذا الفهم ، والاستجابة لمقتضى هذا التأثر وهو شكر الله وطاعته وعبادته. ومن هنا كان سفيان بن عينية يتمثل كثيرا بقول القائل : «إذا المرء كانت له فكرة ، ففي كل شيء له عبرة»!.
* *
وما أوسع المجال للتفكر عند تلاوة آيات القرآن ، فإن وراء كل آية من الأسرار والإشارات والنفحات الشيء الكثير ، واللائق بالمؤمن المتفكر أن يردد الآية التي يريد التفكر فيها ـ كما ينصح الغزالي ـ ويعيدها مرات ومرات. بتمعن وتدبر ، فإن تحت كل كلمة أسرارا واسعة ، وقراءة آية بتدبر وتفكر وفهم خير من كثير القراءة بلا وعي.
وليت كل واحد منا يستمع إلى حجة الاسلام ويستجيب حين يراه يحث على التفكر الواسع النطاق بذلك الاسلوب البليغ : «فانظر إلى الملكوت لترى عجائب العز والجبروت ، ولا تظنن أن معنى النظر إلى الملكوت بأن تمد البصر إليه ، فترى زرقة السماء وضوء الكواكب وتفرقها ، فإن البهائم تشاركك في هذا النظر ؛ فإن كان هذا هو المراد فلم مدح الله تعالى ابراهيم بقوله : (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض) لا بل كل ما يدرك بحاسة البصر