ويعاون على التفكر الصمت والسكون ، حتى يسبح الفكر في آفاق التذكر والتدبر ، ولذلك جاء في حديث منسوب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها» ، وفي آخر الحديث قال : «وأن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ، ونظري عبرا». وقيل لعيسى عليهالسلام : يا روح الله ، هل على الأرض اليوم مثلك؟. أجاب : نعم ، من كان منطقه ذكرا ، وصمته فكرا ، ونظره عبرة ، فإنه مثلي. وقال الشافعي : استعينوا على الكلام بالصمت ، وعلى الاستنباط بالفكر.
ولكن ليس كل صمت يؤدي إلى فضيلة التفكر ، فقد يصمت الانسان عن غفلة ، وقد يسكت عن بلادة ، وقد يسكت عن شرود ، ولذلك قال الحسن : من لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو.
* *
ومن الخير لنا في مقامنا ان نتذكر أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، كان إذا قام للتهجد والتعبد بالليل ، تطهر واستاك ، ونظر إلى السماء ، ثم تلا قول ربه تبارك وتعالى في سورة آل عمران : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ). ثم يأخذ في صلاته وتعبده.
وكذلك كان الرسول عليه الصلاة والسّلام يتلو هذه الآيات ويقول : «ويل لمن لا كهابين فكيه ولم يتأمل ما فيها». والتفكر في خلق السموات والأرض هو أن يتدبروا ذلك الخلق ، ليستدلوا به على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته وعلمه وحكمته ، فيكون ذلك داعيا إلى قوة الإيمان فيهم وعمق اليقين عندهم ، ويكون ذلك داعيا إلى مضاعفة الجهد في العبادة والطاعة لله عزوجل.
ولقد روي أن بلالا رضي الله عنه جاء الرسول يؤذنه بصلاة الفجر ، فوجده