الفاضلة المشرقة في ذات الانسان ، ويكون إزهاق النوازع الخبيثة الرديئة ، ولذلك يقول بشر : «لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوا الله عزوجل».
ويرى الامام الغزالي ان من ثمرات التفكر تكثير العلم وتوسيع المعرفة ، والمعارف إذا اجتمعت لدى الانسان وترتبت أثمرت معرفة اخرى ، لأن المعرفة انتاج المعرفة ، فإذا حصلت معرفة جديدة أدت الى معرفة اخرى ، وهكذا يمتد النتاج ، ويمضي الفكر الى غاية بعيدة. وما اجمل الشافعي في تصويره لثمرة التفكر بقوله : «صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور ، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم ، والروية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة ، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس وقوة في البصيرة ففكّر قبل ان تعزم ، وتدبّر قبل ان تهجم ، وشاور قبل تقدم».
وإذا كان التفكر بهذه المنزلة ، وثمرته بتلك المكانة فالمصيبة كبيرة حين يحرم الانسان فضيلة التفكر ، ولقد روي أن الحسن قرأ قوله تعالى في سورة الأعراف : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها ، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ). ثم ذكر الحسن ان معنى «الصّرف» هنا هو ان الله جل جلاله يمنع هؤلاء الأشقياء التفكر في امر الله عزوجل.
* *
ولقد يسأل سائل عن طريق التفكر ، والجواب أن التفكر يتحقق أولا على وجهه الكامل بنور إلهي في القلب يحصل بالفطرة ، وقد يتحقق التفكر بالمحاولة والتعلم والممارسة ، فيحمل الانسان نفسه على ان تتفكر وتتدبر ، ويكرر ذلك فإذا التكرار يورثه عادة ، وإذا العادة تعمّق جذورها فكأنها طبيعة.