وإنما للتفكر حدوده وقيوده ، ولعل مما يشير إلى ذلك الحديث القائل : «تفكروا في خلق الله ، ولا تتفكروا في الله ، فإنكم لن تقدروا قدره». وكذلك روي : «تفكروا في آلاء الله ، ولا تفكروا في الله». وقد جاء في السنة ايضا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج على قوم ذات يوم وهم يتفكرون ، فقال لهم : ما لكم لا تتكلمون؟ فقالوا : نتفكر في خلق الله عزوجل. فقال : «كذلك فافعلوا وتفكروا في خلقه ، ولا تتفكروا فيه».
وكذلك ليس من التفكر الاخلاقي الاسلامي أن يتفكر الانسان في طرق الوصول إلى الشهوات والملذات ، ولا في وسائل العدوان على الأنفس أو الأعراض أو الأموال أو غير ذلك من حرمات الناس ، وليس من التفكر الاسلامي القرآني أن يستجيب الانسان لدواعي الحسد ونزعات الحقد والبغضاء ، أو غير ذلك مما يجعله فريسة لخبيث المشاعر وسيء النوايا.
* *
ولقد أشاد السابقون من علماء الأمة وبصرائها بمنزلة التفكر السليم القويم ، فذكر حجة الاسلام الغزالي أن الفكر هو مصباح الأنوار ، ومبدأ الاستبصار ، وشبكة العلوم ، ومصيدة المعارف والفهوم ، وقال خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز : «الفكرة في نعم الله عزوجل من أفضل العبادة». وقال الحسن : تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
وثمرة التفكر ثمرة يانعة ممتعة ، نامية سامية ، فمن وراء التفكر يكون التعقل والارتداع عن كل ما يقبح ويسوء ، والاقبال على كل ما هو جميل ومقبول ، ومن وراء التفكر يكون الادراك الواعي البصير لجلال الله وعظمته ، وكثرة نعمه وآلائه ، ومن وراء التفكر يكون الاعتزاز بالله وحده والذل لوجهه سبحانه والترفع عن الهوان مع غيره ، ومن وراء التفكر تكون الطاعة والاجتهاد في العبادة والازدياد من القربات ، ومن وراء التفكر يكون إحياء الجوانب