في الطاعات فقال عن الانسان المتفكر : «فينظر أولا في الفرائض المكتوبة عليه أنه كيف يؤديها ، وكيف يحرسها عن النقصان والتقصير ، او كيف يجبر نقصانها بكثرة النوافل ، ثم يرجع إلى عضو عضو ، فيتفكر في الأفعال التي تتعلق بها مما يحبه الله تعالى ، فيقول مثلا : إن العين خلقت للنظر في ملكوت السموات والأرض عبرة ، ولتستعمل في طاعة الله تعالى ، وتنظر في كتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وأنا قادر على ان اشغل العين بمطالعة القرآن والسنة ، فلم لا أفعله؟ وأنا قادر على ان انظر إلى فلان المطيع بعين التعظيم فأدخل السرور على قلبه ، وأنظر إلى فلان الفاسق بعين الازدراء فأزجره بذلك عن معصيته ، فلم لا أفعله؟
وكذلك يقول في سمعه : إني قادر على استماع كلام ملهوف ، أو استماع حكمة وعلم ، او استماع قراءة وذكر ، فما لي أعطّله وقد أنعم الله عليّ به ، وأودعنيه لأشكره ، فما لي أكفر نعمة الله فيه بتضييعه وتعطيله؟.
وكذلك يتفكر في اللسان ، ويقول : إني قادر على أن أتقرب إلى الله تعالى بالتعليم والوعظ والتودد إلى قلوب اهل الصلاح ، وبالسؤال عن احوال الفقراء ، وإدخال السرور على زيد الصالح ، وعمرو العالم ، بكلمة طيبة ، وكل كلمة طيبة فإنها صدقة؟
وكذلك يتفكر في ماله ، فيقول : أنا قادر على أن أتصدق بالمال الفلاني ، فإني مستغن عنه. ومهما احتجت إليه رزقني الله تعالى مثله ، وإن كنت محتاجا الآن فأنا إلى ثواب الايثار أحوج مني إلى ذلك المال.
وهكذا يفتش عن جميع اعضائه وجملة بدنه وامواله ، بل عن دوابه وغلمانه وأولاده ، فإن كل ذلك ادواته واسبابه ، ويقدر على ان يطيع الله تعالى بها ، فيستنبط بدقيق الفكر وجوه الطاعات الممكنة بها ، ويتفكر فيما يرغبه في البدار إلى تلك الطاعات ، ويتفكر في إخلاص النية فيها ، ويطلب لها مظانّ الاستحقاق حتى يزكو بها عمله ، وقس على هذا سائر الطاعات».
والتفكر ليس خبط عشواء ، ولا اضطراب عمياء ، ولا شرود عجماء ،