تَتَفَكَّرُونَ). وقال في سورة الرعد : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). والجزء الأخير من هذه الآية الكريمة ورد مثله في سور الروم ، والزمر ، والجاثية ، كما ورد قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في سورة النحل مرتين.
كما جاء في سورة النحل أيضا قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وجاء في سورة يونس : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وفي سورة الأعراف : (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). وفي سورة الحشر : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
ولو تتبعنا المواضع التي جاء فيها ذكر التفكر في القرآن الكريم ، لوجدنا أن هذا الذكر يأتي غالبا بعد الحديث عن أمر او مشهد يثير في النفس معنى من معاني الاعجاب بالخير والفضيلة والميل إليهما ، أو معنى من معاني النفور من الشر والرذيلة والضيق بهما ، او هكذا ينبغي ان يكون لدى الانسان القويم ، وهذا يؤكد لنا المعنى الأخلاقي القرآني لفضيلة التفكر ، وهو النظر على وجه الاتعاظ والاعتبار ، فالانسان يتفكر في أمر المعاصي وأمر الطاعات ، أو يتفكر في الصفات المهلكة والصفات المنجية ، فيتبين حينئذ ـ أو هكذا ينبغي له أن يتبين ـ أهو متلبس بمعصية فينتهي عنها ، أم هو سائر في طاعة فيزداد منها؟.
وكذلك يتفكر الانسان في الفرائض والواجبات : أهو يؤديها أم يقصّر فيها؟. ويتفكر في الصفات المهلكة : أهو متلطخ بشيء منها؟. ويتفكر في الصفات الجميلة : ما الذي يحتاج إليه منها ؛ وهكذا.
* *
ولقد عرض الامام الغزالي في حديثه الممتع الواسع عن التفكر نموذجا للتفكر