المنكر إرشاد الغير الى تحصيل المصلحة ، وتحذيره عما يوقعه في المفسدة ، والاحسان الى النفس أولى من الاحسان الى الغير ، وذلك معلوم بشواهد العقل والنقل ، فمن وعظ ولم يتعظ فكأنه أتى بفعل مناقض لا يقبله العقل ، فلهذا قال : أفلا تعقلون.
الثاني : أن من وعظ الناس ، وأظهر علمه للخلق ، ثم لم يتعظ ، صار ذلك الوعظ سببا لرغبة الناس في المعصية ، لأن الناس يقولون : إنه مع هذا العلم ، لو لا أنه مطلع على أنه لا أصل لهذه التخويفات ، وإلا لما أقدم على المعصية فيصير هذا داعيا لهم الى التهاون بالدين ، والجراءة على المعصية ، فاذا كان غرض الواعظ الزجر عن المعصية ، ثم أتى بفعل يوجب الجراءة على المعصية فكأنه جمع بين المتناقضين ، وذلك لا يليق بأفعال العقلاء ، فلهذا قال : أفلا تعقلون.
الثالث : أن من وعظ فلا بد وأن يجتهد في أن يصير وعظه نافذا في القلوب والإقدام على المعصية مما ينفر القلوب عن القبول ، فمن وعظ كان غرضه أن يصير وعظه مؤثرا في القلوب ، فالجمع بينهما متناقض غير لائق بالعقلاء ، ولذلك قال علي : قضم ظهري رجلان : عالم متهتك وجاهل متنسك».
نسأل الله جل جلاله أن يجعلنا من أهل البر في القول والعمل.