وقد ذكر القرآن الكريم هذا الخلق الحميد في أكثر من موضع ، فقال في سورة آل عمران : (لَيْسُوا سَواءً ، مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ ، يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ ، وَهُمْ يَسْجُدُونَ ، يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ، وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ).
وقد روى المفسرون أن هذه الكلمات نزلت في جماعة آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره ، وقوله : (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) معناه : يبادرون إلى فعل الخيرات والطاعات ، خوف الفوات بالموت. وقيل : معناه أنهم يعملون الاعمال الصالحة ، غير متثاقلين أو متوانين فيها ، بل يجتهدون وينشطون لعلمهم بجلالة موقعها وحسن عاقبتها ، وهذه المسارعة صفة من صفات المدح ، لأن المسارعة في الخير دليل على فرط الرغبة فيه والحب له ، والحرص على ألا يفوت لعارض من العوارض أو حائل من الحوائل ، ومن فعل تلك المنزلة صار من خيار المتحلين بمكارم الأخلاق.
وشأن المؤمن المخلص أنه لا يتباطأ عن مواطن الخير ، وفي طليعتها مواطن العبادة ، لأن التباطؤ في الخير هو شأن الذين في قلوبهم مرض ، كما قال الله تعالى في شأن المنافقين في سورة النساء : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ ، وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً ، مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً).
ولأن المؤمنين الصادقين من شأنهم أن يسارعوا إلى الطاعات والقربات ، قالت الآية بعد وصفهم بهذه المسارعة : (وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي الذين صلحت نفوسهم ، فاستقامت أحوالهم ، وحسنت أعمالهم.
ويقول الله تبارك وتعالى في سورة آل عمران : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). والمسارعة إلى المغفرة والجنة هي المبادرة إلى أسبابهما ، وما يعد الانسان لنيلهما والفوز بهما ، أي سارعوا إلى ما يوجب لكم مغفرة ربكم ونعيم جنته.