وابتذل نفسك فيما افترض الله عليك ، راجيا ثوابه ، ومتخوفا عقابه.
واعلم أن الدنيا دار بلية ، لم يفرغ صاحبها فيها قطّ ساعة إلا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة (لخلو هذا الفراغ من عمل طيب) وإنه لن يغنيك عن الحق شيء أبدا ، ومن الحق عليك حفظ نفسك ، والاحتساب على الرعية بجهدك (أي التطوع بالجهد لخدمة الأمة) فإن الذي يصل إليك من ذلك أفضل من الذي يصل بك».
ويعود ليقول للاشتر النخعي وقد ولّاه على مصر : «أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ، ومن لك هوى فيه من رعيتك ، فإنك إن لا تفعل تظلم ، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ، ومن خاصمه الله أدحض حجته (أبطلها) وكان لله حربا حتى ينزع أو يتوب. وليس شيء أدعى إلى تغير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم ، فإن الله يسمع دعوة المضطهدين ، وهو للظالمين بالمرصاد. وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحق ، وأعمّها في العدل ، وأجمعها لرضا الرعية».
هذا ولقد ضرب السلف الصالح من هذه الأمة المؤمنة أروع الأمثال في العدل ، وناهيك بما كان من الفاروق عمر بن الخطاب ، وخامس الراشدين الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز وأضرابهما الذين علّموا الدنيا كيف يكون الحكم بالعدل ، والوزن بالقسط ، والقضاء بإنصاف ، مهتدين في ذلك كلّه بالنور الذي يهدي للتي هي أقوم ، والذي يدعو إلى العدل ويأمر به ، ويجعل سبب الفوز فيه وعماد التقوى عليه : «اعدلوا هو أقرب للتقوى».