ولعل مما يبيّن هذا القدر الرفيع للعفو أن القرآن المجيد جعله صفة من صفات الله ـ عزوجل ـ وأشار إلى ذلك في طائفة من الآيات ، ففي سورة البقرة يقول الله تعالى :
(ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وفيها أيضا يقول : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ). وفي سورة آل عمران : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ). وفيها أيضا : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ). وفي سورة النساء : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ). وفي سورة التوبة : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً). وفيها أيضا : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ). وفي سورة الشورى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ). وفيها : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ). وفيها : (أَوْ يُوبِقْهُنَ (١) بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) .. إلخ.
وهكذا نجد أن كتاب الله تبارك وتعالى قد نسب صفة «العفو» إلى رب العزة والجلال أكثر من عشر مرات ، ونرى أن الله تعالى يعفو وفي الوقت نفسه يهدد بالمؤاخذة من يعود أو يصرّ ، وهو يعفو عن طائفة تستحق العفو ، ويعاقب من لا يستحق العفو ، وهو يحث على الاتجاه إلى الأسباب التي تجعل الإنسان مستحقا لعفو ربه. ونجد أكثر من هذا وهو أن القرآن الكريم يصف الله ـ عزوجل ـ بأنه «العفو» في مواطن ، فيقول في سورة النساء : (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً). وفيها أيضا : (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) وفيها كذلك : (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) .. وفي سورة الحج : (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ). وفي سورة المجادلة : (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
وما دام العفو صفة من صفات الله التي تؤكدها آيات القرآن ، فإنه مما يزكّي الإنسان ، ويسمو بقدره عند الله وعند الناس أن يتخلق بهذا الخلق
__________________
(١) يوبقهن : يهلكهن.