في التنور ، فيشرب العجين دسم الشاة ، وذلك العجين يسمونه كفن الشاة).
ومن إيثار عائشة أنه لما طعن عمر بن الخطاب قال لابنه عبد الله : يا عبد الله بن عمر ، اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل لها : يقرأ عمر بن الخطاب عليك السّلام. ثم سلها أن أدفن مع صاحبيّ (يقصد النبيّ وأبا بكر). فقالت : كنت أريده لنفسي ، فلأوثرنه على نفسي ، فلما عاد عبد الله قال له أبوه : ما لديك؟. فأجاب : أذنت لك يا أمير المؤمنين.
وفي غزوة اليرموك انطلق حذيفة العدوي بشربة ماء يبحث بها عن ابن عم له ليسقيه ، وهو يقول : إن كان به رمق سقيته. فوجده جريحا بين الحياة والموت ، فقال له : أسقيك؟. فأشار له برأسه أن نعم ، ثم رأى رجلا بجواره يردّد : آه آه. فأشار إلى ابن عمه ليذهب بالشربة إلى ذلك الرجل ، وكان هشام بن العاص ، فلما همّ هشام أن يشرب سمع ثالثا يردد : آه آه. فأمر الساقي بأن يذهب إليه بالماء ، فلما بلغه الساقي وجده قد مات ، فعاد إلى هشام فوجده قد مات ، فعاد إلى ابن عمه فوجده قد مات.
وما أكثر الأمثلة الرائعة للإيثار في تاريخ السلف من أبناء الإسلام ، مما يعدّ في نظر العامة من الناس كالرّؤى أو الأحلام.
* * *
هذا ولقد اشترط بعض الصوفية في إيثارك الخلق على نفسك ألا يفسد عليك ذلك دينك ، أو يقطع طريق عبادتك وتقرّبك من الله ، ويقول ابن خبيق الأنطاكي : «إن استطعت ألا يسبقك أحد إلى مولاك فافعل ، ولا تؤثر على مولاك شيئا». ولذلك كرهوا أن يؤثر الإنسان غيره بالجلوس في الصف الأول في الجماعات والجمع وما أشبه ذلك ، لأن الإيثار يكون في أمور الدنيا لا في الطاعات والقربات ، ولكن أبا حفص النيسابوري يقول : «الإيثار أن تقدم حظوظ الإخوان على حظك في أمر آخرتك ودنياك». وقد يكون