ونلاحظ أن كل آية من الآيات السابقة قد جاء فيها قوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وذلك بشأن أصحاب الجنة ، وهم المؤمنون الصادقون من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، ومن المؤمنين بالله واليوم الآخر الذين كتب الله في قلوبهم الايمان وأيّدهم بروح منه. وإنما رضي الله تبارك وتعالى عنهم لأنهم تقيدوا بأحكامه ، وأطاعوا أمره ، فتفضل عليهم بإحسانه وبرّه ورضوا عنه ، أي حمدوا فضله وصنعه وإحسانه ، فهم يستريحون حين ينفذون أحكامه ويمتثلون أوامره ، فإذا كانوا يوم القيامة رضوا كل الرضى بما يرون من نعيم الله وإكرامه ، فشأنهم الرضى عن الله جل جلاله في الدنيا والآخرة ، يرضون في الدنيا بكل ما قدر وأمر ، ويرضون في الآخرة بما أعطى. ولذلك قال الأصفهاني : «رضى العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه ، ورضى الله عن العبد أن يراه مؤتمرا لأمره ، منهيا عن نهيه».
ولا شك أن رضى الله عن الانسان هو غاية الغايات وأقصى الأماني ، ولذلك جاء في الحديث : «إن الله تعالى يتجلى للمؤمنين فيقول «أنا الذي صدقتكم وعدي ، وأتممت عليكم نعمتي ، وهذا محل إكرامي فما ذا تريدون؟ ـ وفي رواية فسلوني ـ فيقولون : رضاك». وفي حديث آخر أنه تبارك وتعالى يرضى عنهم ، فيكون رضاه أعظم هدية لهم ، ولذلك يقول القرآن الكريم : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ).
ورضوان الله يستحقه العبد برضاه عن كل ما قدّر الله وما أمر ، ولذلك جاء في التنزيل المجيد : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). وجاء في سورة الأحزاب : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً). ومعنى هذا أن الايمان الذي هو سبب لرضى الله لا يتحقق إلا برضى العبد بكل ما