«الحياء من الايمان ، والايمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجفاء في النار». والبذاء هو المفاحشة ، ولذلك يقابل الحياء ايضا بالفحش ، كما في الحديث القائل : «ما كان الفحش في شيء إلا شانه ، وما كان الحياء في شيء إلا زانه». وقالت السيدة عائشة : «لو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا ، ولو كان الفحش رجلا لكان رجلا سوءا».
والحياء خلق من مكارم الأخلاق ، يدل على طهارة النفس ، وحياة الضمير ، ويقظة الوازع الديني ، ومراقبة الله عزوجل. وقد يختلط الحياء عند كثير من الناس بالجبن ، مع أن هناك فرقا واسعا بينهما ، فالحياء تورع عن عمل او قول لا يليق بالكريم ، وأما الجبن فتقاعس عن واجب يلزم ان ينهض الانسان اليه ويقوم به ، والحياء ليس ضعفا او نقصا ، والمعيب في هذا المجال هو الاسراف في صفة الحياء حتى يضعف صاحبها عن الاقدام على الشيء الحسن النافع خوفا من الذم.
* * *
والحياء خلق من أخلاق القرآن ، فقد ذكر الله تبارك وتعالى مادة «الحياء» في ثلاثة مواطن ، فقال في سورة البقرة : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها). وقال في سورة الأحزاب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ (١) ، وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا ، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ، وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ). وقال في سورة القصص : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ
__________________
(١) غير ناظرين اناه : اي غير منتظرين نضجه واستواءه. وفانتشروا : فانصرفوا ولا تطيلوا المكث بعد الطعام.