فان كان هذا من اضمارك فما أكفرك وأجهلك. أما تتفكرين أنه ما ذا خلقك؟. من نطفة خلقك (١) فقدّرك ، ثم السبيل يسرك ، ثم أماتك فأقبرك. أفتكذبينه في قوله : ثم اذا شاء أنشرك؟.
فان لم تكوني مكذّبة فما لك لا تأخذين حذرك؟. ولو أن يهوديا أخبرك في ألذ أطعمتك بأنه يضرك في مرضك لصبرت عنه وتركته ، وجاهدت نفسك فيه. أفكان قول الأنبياء المؤيدين بالمعجزات وقول الله تعالى في كتبه المنزلة ، أقل عندك تأثيرا من قول يهودي يخبرك عن حدس (٢) وتخمين وظن ، مع نقصان عقل وقصور علم؟!.
والعجب أنه لو أخبرك طفل بأن في ثوبك عقربا لرميت ثوبك في الحال ، من غير مطالبة له بدليل أو برهان ، أفكان قول الأنبياء والعلماء والحكماء وكافة الأولياء أقل عندك من قول صبي من جملة الأغبياء؟. أم صار حر جهنم ، وأغلالها وأنكالها (٣) ، وزقومها ومقامعها ، وصديدها وسمومها ، وأفاعيها وعقاربها ، أحقر عندك من عقرب لا تحسين بألمها الا يوما أو أقل منه؟.
ما هذه أفعال العقلاء ، بل لو انكشف للبهائم حالك لضحكوا منك ، وسخروا من عقلك.
__________________
(١) النطفة : ماء التناسل من الرجل أو المرأة ، وفي العبارة اقتباس من قول القرآن : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ، مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ، ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ، ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ).
(٢) الحدس : الظن والتخمين والتوهم في معاني الكلام والأمور.
(٣) أنكالها : الأنكال جمع النكل ـ بكسر النون ـ وهو القيد الشديد من أي شيء كان. وفي القرآن : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً).