واعلمي يا نفس أنه ليس للدين عوض ، ولا للايمان بدل ، ولا للجد خلف ، ومن كانت مطيته الليل والنهار ، فانه يسار به وان لم يسر.
فاتعظي يا نفس بهذه الموعظة ، واقبلي هذه النصيحة ، فان من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار ، وما أراك بها راضية ، ولا لهذه الموعظة واعية ، فان كانت القساوة تمنعك عن قبول الموعظة ، فاستعيني عليها بدوام التهجد والقيام ، فان لم تزل فبالمواظبة على الصيام ، فان لم تزل فبقلة المخالطة والكلام ، فان لم تزل فبصلة الأرحام واللطف بالأيتام ، فان لم تزل فاعلمي أن الله قد طبع على قلبك وأقفل عليه ، وأنه قد تراكمت ظلمة الذنوب على ظاهره وباطنه ، فوطني نفسك على النار ، فقد خلق الله الجنة وخلق لها أهلا ، وخلق النار وخلق لها أهلا ، فكل ميسر لما خلق له.
فان لم يبق فيك مجال للوعظ فاقنطي من نفسك ، والقنوط كبيرة من الكبائر ، نعوذ بالله من ذلك ، فلا سبيل لك الى القنوط ، ولا سبيل لك الى الرجاء ، مع انسداد طرق الخير عليك ، فان ذلك اغترار وليس برجاء ، فانظري الآن هل يأخذك حزن على هذه المصيبة التي ابتليت بها؟ وهل تسمح عينك بدمعة رحمة منك على نفسك؟
فان سمحت فمستقى الدمع من بحر الرحمة (١) ، فقد بقي فيك موضع للرجاء ، فواظبي على النياحة والبكاء ، واستغيثي بأرحم الراحمين ، واشتكي الى أكرم الأكرمين ، وأدمني الاستغاثة ، ولا تملي طول الشكاية ، لعله أن يرحم ضعفك ويغيثك ، فان مصيبتك قد عظمت ، وبليتك قد تفاقمت ، وتماديك قد طال ، وقد انقطعت منك الحيل ، وراحت عنك العلل ، فلا مذنب ولا مطلب ، ولا مستغاث ولا مهرب ، ولا ملجأ ولا منجى الا الى مولاك.
__________________
(١) أي ان جريان الدمع دليل على الرحمة.