والفطنة ، ومن فطنتك أنك تفرحين كل يوم بزيادة مالك ، ولا تحزنين بنقصان عمرك ، وما نفع مال يزيد وعمر ينقص؟.
ويحك يا نفس! تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك ، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك ، فكم من مستقبل يوما لا يستكمله ، وكم من مؤمل لغد لا يبلغه ، فأنت تشاهدين ذلك في اخوانك وأقاربك وجيرانك ، فترين تحسرهم عند الموت ، ثم لا ترجعين عند جهالتك.
فاحذري أيتها النفس المسكينة يوما آلى الله فيه على نفسه أن لا يترك عبدا أمره في الدنيا ونهاه ، حتى يسأله عن عمله : دقيقه وجليله ، سره وعلانيته. فانظري يا نفس بأي بدن تقفين امام الله ، وبأي لسان تجيبين. وأعدي للسؤال جوابا ، وللجواب صوابا ، واعملي بقية عمرك في أيام قصار لأيام طوال ، وفي دار زوال لدار مقامة ، وفي دار حزن ونصب لدار نعيم وخلود.
اعملي قبل ان لا تعملي ، اخرجي من الدنيا اختيارا خروج الأحرار ، قبل أن تخرجي منها على الاضطرار ، ولا تفرحي بما يساعدك من زهرات الدنيا ، فرب مسرور مغبون ، ورب مغبون لا يشعر. فويل لمن له الويل ثم لا يشعر ، يضحك ويفرح ، ويلهو ويمرح ، ويأكل ويشرب ، وقد حق له (١) في كتاب الله أنه من وفود النار.
فليكن نظرك يا نفس الى الدنيا اعتبارا (١) ، وسعيك لها اضطرارا ، ورفضك لها اختيارا ، وطلبك للآخرة ابتدارا ، ولا تكوني ممن يعجز عن شكر ما أوتي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، وينهى الناس ولا ينتهي.
__________________
(١) اعتبارا : للتفكر وأخذ العبرة. واضطرارا : أي بقدر الضرورة.
واختيارا : بارادتك واختيارك ، وابتدارا : أي مسارعة ومسابقة.