وللاستاذ الامام الشيخ محمد عبده كلمة قيمة في أمانة العلم والعلماء يقول فيها : «الامانة حق عند المكلف يتعلق به حق غيره ، ويودعه لأجل أن يوصله ذلك الغير ، كالمال والعلم ، سواء كان المودع عنده ذلك الحق قد تعاقد مع المودع على ذلك بعقد قولي خاص صرّح فيه بأنه يجب على المودع عنده ان يؤدي كذا الى فلان مثلا ، أم لم يكن كذلك ، فان ما جرى عليه التعامل بين الناس في الامور العامة هو بمثابة ما يتعاقد عليه الأفراد في الامور الخاصة ، فالذي يتعلم العلم قد أودع أمانة ، وأخذ عليه العهد ـ بالتعامل والعرف ـ بأن يؤدي هذه الامانة ، ويفيد الناس ويرشدهم بهذا العلم.
وقد أخذ الله العهد العام على الناس بهذا التعامل المتعارف بينهم شرعا وعرفا ، بنص قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (٢). ولذلك عدّ علماء أهل الكتاب خائنين بكتمان صفات النبي صلىاللهعليهوسلم ، فيجب على العالم أن يؤدي أمانة العلم الى الناس ، كما يجب على من أودع المال أن يرده الى صاحبه ، ويتوقف أداء أمانة العلم على تعرف الطرق التي توصل الى ذلك ، فيجب أن تعرف هذه الطرق لأجل السير فيها.
واعراض العلماء عن معرفة الطرق التي تتأدى بها هذه الامانة بالفعل هو ابتعاد عن الواجب الذي أمروا به ، واخفاء الحق باخفاء وسائله هو عين الاضاعة للحق ، فاذا رأينا الجهل بالحق والخير فاشيا بين الناس ، واستبدلت به الشرور والبدع ، ورأينا أن العلماء لم يعلموهم ما يجب في ذلك ، فيمكننا أن نجزم بأن هؤلاء العلماء لم يؤدوا الامانة ، وهي
__________________
(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٨٧.