واذا كان خفض الصوت أمرا محبوبا وخلقا كريما ، اذا كان المتحدث يحدث من يحترمه أو يعزه أو يجله ، فان هذا الخلق يلزم أن يأتي على كماله وتمامه اذا كان الخطاب موجها الى رسول الله خير الانسانية عليه الصلاة والسّلام ، ولذلك نرى القرآن الكريم يقول في سورة الحجرات : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ، إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).
ثم عاب القرآن عقب ذلك مباشرة على طائفة من الناس لم تغض صوتها وهي تخاطب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وكانت هذه الآيات درسا أي درس ، ليتعلم الناس من حول الرسول أن يغضوا أصواتهم عند خطابه ، لان رفع الصوت يدل على قلة الاحتشام وترك الاحترام ، وها هو ذا الآلوسي يقول عند حديثه على هذا الدرس : «المعنى نهيهم عما كانوا عليه من الجلبة ، واستجفاؤهم فيما كانوا يفعلون ، هو نظير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً). (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي جهرا كائنا كالجهر الجاري فيما بينكم ، فالأول نهي عن رفع الصوت فوق صوته صلّى الله تعالى عليه وسلم ، وهذا نهي عن مساواة جهرهم لجهره عليه الصلاة والسّلام ، فانه المعتاد في مخاطبة الأقران والنظراء بعضهم لبعض ، ويفهم من ذلك وجوب الغض ، حتى تكون أصواتهم دون صوته صلّى الله تعالى عليه وسلم.
وقيل : الأول مخصوص بمكالمته صلّى الله تعالى عليه وسلم لهم ، وهذا بصمته عليه الصلاة والسّلام ، كأنه قيل : لا ترفعوا أصواتكم فوق