وبعد محبة الأولياء تأتي محبة المؤمن لاخوته في الايمان والدين ، لأن القرآن الكريم يقول : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (١). ولا تستقيم الأخوة الا على أساس المحبة. والمحبة في ظل الايمان والتقوى تكون محبة شريفة عفيفة نظيفة ، وتبقى في الدنيا ، وفي الآخرة ، ولذلك يقول القرآن : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (٢).
ولقد أخبرتنا السنة من بعد القرآن الكريم أن هؤلاء المتحابين في الدنيا تحت لواء الايمان والتقوى يجمع الله بينهم في دار النعيم ، وان كان بين منازلهم شيء من التفاوت. فهذا رجل يقول للرسول : يا رسول الله ، كيف تقول في رجل أحبّ قوما ولم يلحق بهم (أي لم يساوهم في قدر الطاعة). فقال الرسول صلىاللهعليهوسلم : «المرء مع من أحبّ».
كما نوهت السنة بشأن هؤلاء المتحابين ، فقال الحديث : «زار رجل أخا له في قرية أخرى ، فأرصد الله له على مدرجته (أي طريقه) ملكا ، فلما أتى عليه قال : أين تريد؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمة تربّها (أي تصلحها وتتمها)؟ قال : لا ، غير أني أحببته في الله عزوجل. قال : فاني رسول الله اليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه».
وجاء في السنة : «ان الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي (أي لعظمتي)؟ اليوم أظلهم في ظلي : يوم لا ظل الا ظلي». وفي رواية أخرى : «المتحابون في ظلالي ، لهم منابر من نور ، يغبطهم
__________________
(١) سورة الحجرات ، الآية ١٠.
(٢) سورة الزخرف ، الآية ٦٧.